يعتقد ذلك الزوج (المسكين في فِكرِه) أن الاعتذار صفةٌ أُنثويَّة، وفعلُ نقصٍ لا يجدر أن يصدر منه، بل هو تصرف ملازم لزوجته في كل أحوالها، فيجب عليها الاعتذار إن أخطأت، أو أخطأ هو عليها، أو حتى تعكَّر مزاجه بسببٍ لا علاقة له بحياتهما، ففي جميع الأحوال يجب أن تؤدِّي تلك الزَّوجةُ فروضَ الاعتذار حتى مما لا تعرفه!! هكذا وربِّي تُهدم بعض الأُسَر، فما يزال الزَّوج بعيدًا عن الاعتذار ظنًا منه أنه نقصٌ في رجولته، وأنَّه في منزلة لا تسمح له بالاعتذار مهما كان خطؤه بيِّنًا لا يختلف علية اثنان! ليصدُق عليه قول القائل:
وما حَسنٌ أن يَعذُر المرءُ نفسَه
وليس له من سائرِ النَّاسِ عاذرُ
أقول لك –أيها الزوج- : حَنانيك! لقد اعتذر الأنبياءُ والصَّالحون، وتَبِعهم خيارُ النَّاس وشرفاؤُهم، وما زادهم ذلك إلا ثقةً بأنفسهم، ورفعةً عند ربِّهم، ومحبةً واحترامًا عند أهلهم، لكنَّ إصرارك الدائم على أن تعتذر شريكة حياتك –وأنت المخطئ- تدل على ضعفٍ عميق في شخصيتك، وتعنُّت له آثاره العميقة في نفوس من يتعامل معك! إنني هنا لا أطالبك بالمبادرة بالاعتذار مما تظنّه خطأ غيرك، ولا أنتظر كذلك أن تعمل بقوانين الحُبّ التي تقول: "في الخصام يعتذر الأكثرُ حُبًا؛ وليس الأكثر خطأ!" فإن تلك المرتبة العالية لا يبلغها إلا كبار القوم، وخيار النَّاس اقتداءً بحديث الحبيب صلى الله عليه وسلم: "خيرُكم خيركم لأهله"، لكنني أعتب عليك حين ترى بقلبك عظيم خطئك، وتسمع بأذنك ممن حولك أن الخطأ خطؤك وتصرُّ في صلفٍ على التَّجاهل وانتظار الاعتذار ممن لم يُخطئ! إنَّك بذلك تهدم قيم زوجتك التي استقرت في نفسها، وتعمل على تحطيم ما تبقَّى من حبٍ لك في قلبها، وتُسيء إلى ذاتك حين تجعلها بمنزلة من لا يُخطئ ولا يعتذر! ثم إنَّك –مع ذلك- لا تصلح أن تكون قدوةً لأبنائك ومَن حولك!! أرأيت –أيها الزوج المسكين- كيف تجني كل ذلك ثم إذا هُدم بناء
الزوجيَّة أدركت وندمت ولات ساعةَ مندمِ!
فإنِّي رأيتُ الحُبَّ في الصَّدر والأذى
إذا اجتَمــعَا لم يلبَثِ الحُبَّ يَــذهَبُ
ولعلك –أيها الكريم- رجعت إلى رُشدك، ورأيت أن من تمام العِشرة أن تقدِّم اعتذارًا لزوجتك المحبَّة؛ لتمحي آثار تجاوزك، وتعيد الحُب بينكما إلى نقائه وصفائه، لكن عليك أن تُدرك أمرًا ربما يكون أهمَّ من تقديم الاعتذار! فتأتي بما هو أعظم من الخطأ ذاته، وهو أن تجعل من لحظة الاعتذار مجالاً لتقديم اللَّوم لشريكة حياتك، وتبرير خطئك، وبيان أنها كانت سببًا فيما فعلت! فإن ذلك وربي لهو اللُّؤم بعينه، فتدخلَ في قول القائل:
لا تَرجُ توبةَ مُذنبٍ
خَلطَ احتجاجًا باعتذار!
ولَكِ –أيتها الزوجة- أقول: إن جاءك شريك حياتك محاولاً الاعتذار فساعديه، وإن جاء معتذرًا فاقبليه، وإن اعتذر فلا تضطريه لكسرِ نفسِه، فيكفي إيصال رسالة لك بالاعتذار، وطلب المسامحة، ولا تجعلي من لحظة الاعتذار مجالاً لإنقاص قدره أمام نفسه وأمامك، فالمحبّ بحق لا يتمنى رؤية محبوبه في صورة ضعف أو خذلان. والأهم من كلِّ ذلك -للزوجين على حدٍ سواء- أن يكون الاعتذار بابًا لتغيُّر السلوك، وليس بابًا لإدمان التجاوز ومحاولة سترِه بالاعتذار!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مؤلف، وباحث لغوي واجتماعي
masayed31@