في ليلة من ليالي السمر بين جبال مكة التي لبست ثوبها العشبي بعد أن أُمطرت الارض وأنبتت واصبحت الجبال كأنها قباب خضراء ومن قبل ذلك كانت حزينة يكسوها السواد وتسكنها الهوام وتحفها الرياح ويخاطبها صدى صوتها في تلك الليلة الجميلة كانت جلستنا حول شبة النار التي كانت دفئ لنا ولكل واحد منا له فيها مآرب اخرى وذكريات شتى.
تلك الليلة كان من ضمن الحضور ضيف ذو عقل راجح ولسان واضح وهو رجل خمسيني تصدر المجلس واخذ بتلابيب الكلام وزمام الحوار فكان لكلامه حلاوة وفصاحة أنستنا جوالاتنا واحاديثنا الجانبية محدقين به ومنصتين له فقادنا بأسلوبه الجميل إلى حيث تاريخ الامم وبعض علوم الرجال وشعر الشعراء ووفاء الأصدقاء ونخوة الأصحاب وعضد الأخوة وتكاتف المجتمع بجميع اطيافه في الماضي والحاضر وحنكة بعض النساء.
تلك الليلة ذكرتنا بالحياة الجميلة التي كنا نعيشها داخل الأحياء القديمة بمكة والجلوس مع الأقران في طرف الحي أو مركاز الحي أو مناسبات الاهل والاصحاب وتجاذب الأحاديث والسهر تحت ضوء القمر وبساطة الحياة ويسر المعيشة وتقارب الجيران فكأنما حيزت لنا الدنيا بحذافيرها.
تلك الليلة ذكرتنا أيضا بمن نحب وقد قضى نحبه ونحن ننتظر فسبحان من قدر الاقدار وكل شيء عنده بمقدار.