فتح ” عمر ” الظرف الصغير وأخرج منه ورقة بيضاء يميل لونها للصفرة دليل على قدمها ، فتحها برفق حتى لا تتمزق بين يديه وبدأ بقراءة محتواها وكان كالتالي : ( أنا أحمد وهذه “ سعاد “ زوجتي بجانبي أكتب هذه الرسالة لمن سيفتح هذا الصندوق من أبنائي إنه في يوم الخميس 1 / 5 / 1418 هـ ذهبت كالمعتاد لصلاة الفجر في مسجد الحي وعند خروجنا أنا والمصلين من المسجد وجدنا كرتون وفيه رضيعة حديثة الولادة ومكتوب على الكرتون ( اتصلوا بالشرطة ) تجمهر المصليين وبدأت الفوضى تعج في المكان منهم من يقول ( حسبي الله ونعم الوكيل ) ومنهم من يشتم بألفاظ نابيه و منهم و منهم ، حينها أقنعت إمام المسجد والموجودين بتولي الامر و أخذها للمستشفى كوني طبيب وفعلا أخذت الكرتون و دخلت بها على زوجتي التي فرحت بها كثيرا و ألحت علي بعدم تسليمها للشرطة ولا أخذها للمستشفى فهي تريد تربيتها لأنها طالما أرادت من الله أن يمنحها ابنة و أنها تحب البنات بصراحة اقتنعت بعد جدال دار بيننا و أغراني الشيطان بتزوير شهادة ميلاد للطفلة و أن أنسبها لي في الحقيقة انتقلنا بعدها مباشرة إلى مدينة أخرى حتى لا يتضح أمري حيث كنا نسكن و أسميناها “ روعة “ .
هنا وقفت أنا و ” أدهم و ” سامي ” سويا من هول الصدمة وبدأت الأصوات تتعالى في الغرفة بين محتج على ما سمع وبين من يسأل ماذا سنفعل الان ومن يقول لا حول ولا قوة إلا بالله أما أنا تقدمت بضع خطوات باتجاه ” عمر ” و قلت بصوت مبحوح البارحة في المطار نبهني الموظف عن وجود استدعاء بإسمي لمحكمة الأحوال الشخصية هل هذا له علاقة بكلامك اليوم ؟؟
أجاب : نعم ” يا روعة ” يؤسفني أنني قد رفعت دعوى قضائية لإنكار النسب وهذا ليس من أجلي بل لأريح والداي في القبر و أكفر عن غلط ارتكباه في حياتهما أعذريني و أحنى راسة على الأرض .
مشيت بخطى غير ثابتة أثناء حديثه و أنا أنظر إليه دون أن ألتفت إلى الباب خلفي ينما حاول ” أسامة ” الإمساك بي خوفا من أن أسقط مغشيا على رفعت يدي وقتها أوحي له بلا تقترب مني ، استدرت وفتحت الباب بسرعة خرجت بين صدمة و ألم وخوف من مجهول ينتظرني بعد كلمات أدوت على مسامعي كدوي الرصاص ثم صعدت لغرفتي و أغلقت الباب بالمفتاح حتى لا يدخل علي أحد ، لم أعلم ما حصل بعد خروجي من المجلس بين إخوتي آن ذاك و بقيت فيها لثلاث أيام بلياليها لم أفتح بابا الغرفة حتى الزاد لم يدخل لجوفي أبدا فالمصيبة أكبر من تفكيري في الأكل بل أكلني التفكير بكيف سيكون القادم ؟ و إلى ماذا سيؤول ؟ و ماذا سيحدث لي لو تخلت عني عائلتي و ليس لي سواهم في هذه الحياه . قررت في صبيحة اليوم الرابع فتح باب الغرفة بعد تأكدي من خروج الجميع للعمل نزلت متسلله للخارج و استفليت سيارة أجرة ذهبت حينها بيت خالتي التي تصغر أمي ” نوف ” تقبلتني ببرود عند وصولي لبيتها و أدخلتني لغرفة الضيوف على غير العادة وطلبت من خادمتها إحضار العصير كضيافة ، جلسنا على الأرائك ثم نظرت إليها وقلت يا خالتي هل تعرفين بأمري منذ البداية ؟؟
أجابت ” يا روعة ” أذكر أن والداك انتقلا إلى هنا و أمك تحملك وقالت أنها أخفت حملها لأنها كانت تخاف فقده والسبب حملها في سن كبيرة وبعد الولادة لم تكن تريد منا السفر وتحمل العناء لأجلها لان زوجها قد قام بالواجب والعناية بها في فترة النفاس علاوة على هذا أنها أحبت أن تفاجئ الجميع بإنجابها بنت بعد ست أولاد ، لا أخفي عليك يا أبنتي كان الأمر غريبا بعض الشيء لكننا أضطررنا لتصديق كلامها ، وهذا ما حدث ، و لن أخفي عليك ما سمعته من ” عمر ” صدمني كثيرا ، وفي هذه الأثناء سمعنا نداء ابنها الأوسط ” فؤاد ” ينادي عليها فخرجت ملبية له سمعت ما دار بينهم من دون قصد إذ قال لوالدته لماذا استقبلت هذه اللقيطة يا أمي ألم تسمعي ما قاله ” عمر ” بأنها لم تعد تمد لنا بصلة و أنها ابنه حرام ، و أجابت لا أستطيع طردها يا ولدي مهما كان هذه ضيفتي و داست عتبتي . خرجت مسرعة متجهة نحو الخارج دون الالتفات لنداء ” نوف ” التي كانت خالتي و أعود لبيت والدي إلا أنني توجهت للمطار بسيارة أجرة حيث ظل جواز السفر في الحقيبة اليدوية بالإضافة إلى البطاقة البنكية فحجزت لرحلة ذهاب لبريطانيا حتى أن الحجز لم يكن مؤكد كنت في حالة الانتظار على قائمة الركاب ، ولحسن الحظ تخلف أحدهم عن موعد الرحلة و صعدت أنا بدلا عنه بعد انتظار دام لأكثر من نصف اليوم في المطار بمفردي فليس لدي خيار أخر أنا بين ليلة وضحاها من ابنه عائلة محترمة إلى مجهولة النسب حتى أنني أخجل من قول الكلمة المعتادة في المجتمع علي ألا وهي ( لقيطة ) .
بقيت لست شهور في بريطانيا و كانت هذه فترة الترم الثاني للدراسة حقيقة لم أعرف كيف مرت ولكن ما أذكرة جيدا أنني لأول مرة رسبت في جميع المواد وهذا أمر طبيعي لأن عقلي مشتت فلم أكن أحضر المحاضرات إلا بجسدي فقط فقدت الشغف والرغبة وحتى لم أدرك ما يدور حولي من أحداث و مواقف ، كذلك المركز الإسلامي لا أرتاده على الرغم من سؤال الجميع عني و بالأخص صديقتي ” مريم ” .
حرفيا عدت كل هذه الأشهر ولم يتواصل معي من إخوتي أحد أبدا إلا ” سوزان ” التي كانت ترسل لي رسائل نصية على هاتفي تسأل فيها عن حالي بين فترة و أخرى . بعد مضي الأسبوع الأول من الإجازة الصيفية هاتفني عمر على هاتفي الخليوي وبعد التحية قال : ” يا روعه ” أتصلت لأخبرك قد تحدد موعد جلسة المحكمة بعد أسبوعين من الان أمل منك الاستعداد للسفر و كالعادة رتبت لك أمور الحجز للذهاب والعودة وفترة الإقامة بالإضافة إلى تأمين سيارة تأخذك أينما أردت خلال تواجدك في البلاد ، أثناء المكالمة لم أنطق بكلمات بعد التحية سوى ( أبشر ) و إلى اللقاء .
صرخت بعلو الصوت ، تأوهت من ألمي الداخلي ، و بكيت بحرقة على حالتي أنا هنا وحيدة لا أعرف الكثير من الأشخاص حتى أدفن نفسي بين ذراعيه و أفرغ ما أحمل من هموم أو حتى ليشاطرني التفكير بثبات .
اقتربت من القاضي بكل هدوء في قاعة المحكمة بعد دخولنا كأطراف للقضية أنا ومن كانوا إخوتي وقلت يا سيدي القاضي هل تسمح لي بكلمة ؟؟
أجاب : تفضلي يا أبنتي .
قلت : أرجوك أنا لا أريد منهم المال ولا الاسم حتى لكن الأهم لدي الآن انهم لا ينبذوني أنا أختهم التي تربيت معهم فقط أريد العائلة ، امتلأت عينا القاضي بالدموع ثم أجاب : لكن يا أبنتي أنت لست شقيقتهم ولا نصف الشقيقة ولا يجمعك معهم رضاعة ولا نسب و أنا هنا أحكم بالأوراق الرسمية و ليس لدي سبيل إليهم لأتحدث معهم بأمور أخرى أعتذر منك .
عدت لمقعدي و أنا أجر أذيال الخيبة و الألم بعد محاولة فاشلة لإقناع أخوتي بضرورة وجودي معهم ضمن العائلة و يا له من ألم أن تصبح غريب عن من تقاسمت معهم الحياه منذ الصغر ، و بالحكم الذي حكم به سيادة القاضي قتل ” روعه ” لتولد ” روعه ” أخرى باسم جديد خلف اسمها مركب بطريقة عشوائية و قلب مكسور وروح محطمة . آآآآآآه يا دكتور ” أحمد ” و يا سيدة ” سعاد ” كيف فعلتم هذا بي و لماذا ؟؟ أهي رغبه في إشباع الأبوة لبنت !! أم للحصول على الأجر ومكانة اليتيم الدينية !! أم ماذا ؟؟ لكنكم نسيتم أنني روح بشر لي الاحقية بمعرفة أموري من البداية ولا يحق لكم الاستهانة بذاتي ، ليتكم تركتموني أموت من البرد أو الحر ، أو ليأخذني أحد المصلين للشرطة ، أو تأكلني الكلاب الضالة أهون علي من أن تبنى حياتي على جرف هار لتهدم بكلمات قاض .
تبعني ” عمر ” بعد خروجنا من المحكمة و قال ” يا روعه ” هذه بطاقة المحامي ” ماجد النور ” تواصلي معه سيقوم بمساعدتك في حل الأمور المتعلقة بأوراقك الثبوتية الجديدة لتكملي حياتك بسهولة , كما أتمنى لك التوفيق من كل قلبي و أعتذر عني وعن إخوتي بما بدر منا ، أخذت البطاقة و صعدت السيارة حتى أعود لغرفة الفندق و في الغرفة بدأت أسترجع شريط حياتي و بتجميع بعض الأمور عرفت لماذا كان والدي يزرع بداخلي القوة و الاعتماد على الذات ولما أصر على بقائي في بريطانيا بمفردي دون مرافق كما أنه دفع جميع تكاليف الدراسة للجامعة لجميع الفصول و وضع مبلغ مالي كبير نوعا ما في حسابي البنكي إضافة إلى أنه كان حريصا على صقل شخصيتي لمواجهة مصاعب الحياة و دعمي لأتخذ قراراتي بنفسي في أغلب الأحيان مع توجيهه كمربي ، و الان فقط عرفت أنه يعدني لليوم الذي ستمزق فيه أشرعتي و تكسر مجاديفي و أنا بين أمواج الحياة تلطمني كما شاءت .
عدت لبريطانيا ” روعه ” بهويه جديدة اسما و شخصية ، بعد أول يوم من عودتي ذهبت للمركز الإسلامي لمقابلة السيدة ” فريدة ” إحدى داعيات المركز القديرات كنت أحب كثيرا التحدث معها من قبل فشخصيتها رائعة تحمل بين الحكمة والحنان متوازنة الإحساس و لديها أسلوب حواري جميل وطريقة إقناع مختلفة عن البقية تحوي بكلماتها المؤثرة و حضنها الدافئ جميع نساء المركز وهبها الله سبحانه أسلوب جذاب مختلف حقيقة ، دخلت على غرفتها بعد طرق الباب وسماحها لي بالدخول أسرعت إليها حاضنة لها لأنها وقفت لتستقبلني كعادتها فهي لا تستقبل من يدخل عليها وهي تجلس خلف مكتبها أبدا ، وبدأت أجهش بالبكاء بقينا على هذا الحال لفترة طويلة بعض الشيء ثم أجلستني بجوارها على الأريكة مسحت دموعي بيدها الناعمة وقالت : البكاء يا أبنتي يريح بعض الشيء لكن الحديث يخرج ترسبات القلوب أنا سأسمعك متى ما أردت ولكن الان سوف أحضر لك شاي البابونج السخن لتسترخي قليلا ، ثم غادرت الغرفة لبضع دقائق ثم عادت وتحمل بيدها كوب أبيض بحواف زهرية و مكتوب عليه كلمة ( LOVE ) بذات اللون وضعته على الطاولة دون أن تتحدث و استدارت نحو الباب لتخرج من الغرفة . أمسكت يدها دون تفكير مني و قلت : أرجوك لا تخرجي أنا بحاجة إلى من أتحدث معه بقيت بمفردي بما يكفي ، استجابت لطلبي وجلست بجواري على نفس الاريكة و هي صامته وتنظر إلي مبتسمة إلى أن بدأت الحديث على استحياء بعد دقائق من الصمت والتفكير بماذا وكيف أبداء بشرح ما حصل لي .
تحدثت مع السيدة ” فريدة ” عن كل ما مررت به خلال الفترة الماضية وشعوري الحالي تجاه نفسي و إخوتي الذين تخلو عني و عن حكم القاضي و أنني الان أصبحت مجهولة الأبويين .
أول ما قالته ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) ثم أردفت عزيزتي ” روعه ” حياتنا كلها بترتيب إلاهي دقيق يختار لنا الأصلح دوما على اختلاف رغباتنا نحن كبشر التناقضات هذه بين الرغبات البشرية والترتيب الإلهي الدقيق عجيبة هو وحدة من يعرف قدرتنا الذاتية على التحمل ليكون الابتلاء بقدر الاستيعاب ، أعلم أن ألام أكبر من ما أتخيل ولن يستطيع معرفة حجمه إلا أنت حتى ذوي الظروف المشابهة فالشخصيات يا عزيزتي تختلف في امتصاص الصدمات و المواقف الصعبة أنظري ” لروعه ” التي هي الان طالبة في سنة التخصص لكلية الطب و مازالت بصحة وعافية ولله الحمد علاوة على هذا نشأتي عند زوجين أحسنا تربيتك و نشأت نشأة حسنه و أنت اليوم تستطيعين تكوين أسرة تخصك أنت في بيئة جديدة لن تطاردك فيها فكرة أنك مجهولة النسب فلن يهتم أحد هنا بهذا الامر ما دمتي مسلمة وتستطيعين التعايش بإذن الله ، وهذه لفته جيدة من الدكتور أحمد أنه ساعدك على الدراسة خارج البلاد و أيضا إصراره على البقاء دون مرافق حتى تكوني أسرة بعيدة عن مجتمعك الذي من الممكن أن تصاحبك بعض المضايقات في حياتك من ناحية النسب وانت تعرفين ما أقصد .
خرجت من عند السيدة ” فريدة ” وبدأت أفكر بطريقة مختلفة كثيرا بعد كلماتها التي استطاعت بها جعل الأمور أهون علي وفعلا توكلت على الله وبدأت بداية جديدة بتفكير مختلف كما أنها سعت في تزويجي للدكتور ” يوسف ” الذي أسلم قبل عامين على يد زوجها الذي كان يعمل معه في نفس المستشفى ، والان ولله الحمد أنا أم لطفلين أسميت أحدهم ” أحمد ” على اسم والدي الذي مازلت أفتخر به أما عن إخوتي لم أعد أعرف عنهم أي شيء للأسف الشديد حتى أني لم أعد إلى الديار ولا حتى للزيارة رغم حنيني الذي يقتلني كل يوم .
صحيح أن السنين مضت و حياتي مستقرة إلا أن الفتاه بحاجة إلى سند وظهر تتكئ عليه حتى و إن كان بعيد شعورها بوجود هذا السند هو مصدر قوتها في الحياه . وكلماتي أيضا للمجتمع .
اللقطاء لم يختاروا الطريقة التي يولدون فيها في هذه الحياة كما أن معروفي الابويين لم يختاروا أبويهم أيضا لماذا يحملنا المجتمع غلطة لم تكن لنعلم عن وجودها أساسا هذا لو كان الحمل سببه السفاح ،
فضلا عن زوجين تزوجا بطريقة غير قانونيه لكن شرعيه في نفس الوقت أو زوجين تركا فلذة كبدهما و الدموع تسيل على وجناتهما خوفا عليها من حياه الفقر والجوع و تأملا من الله أن يبدله بمن يحسن تربيته ، كونوا رفقاء بقلوبنا فنحن نحمل وصمة عار لفكرة عقيمة ليس لنا ناقة فيها ولا جمل .
تمت …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاركنا قصتك على البريد الإلكتروني الخاص بالصفحة
bdwnnqatfwasl@gmail.com