كثر الحديث مؤخرا عن غياب رواد المكتبات العامة ، وتحول المكتبات الخاصة إلى ما يشبه الديكور المنزلي لتظهر بجمال أرففها وتناسق كتبها أمام الزوار كتحفة فنية تبرز ثقافة صاحب الدار ، وخلال زيارتي لأحد الأصدقاء توقفت أمام مكتبته الخاصة ، واعتقدت بداية أنه كغيره ممن زرتهم يظهرون ثقافتهم للآخرين ، وهم لا يعرفون إن كان الفرزدق شاعرا أم فارسا ، وأخذت أساله عن المكتبة ومحتوياتها وابزر ما تضمه من كتب ، فوجدته يحمل الكثير من المعلومات ليس عن محتويات مكتبته ، بل عن الكتب الموجودة بها وسير وتراجم مؤلفيها .
وهنا أيقنت أن المكتبة ليست تحفة تعرض ، بل هي " مؤسَّسة علميَّة، وثقافيَّة، وفكريَّة، واجتماعية، وتربويَّة، هدفها جمع مصادر المعلومات وتنميتها بالطُّرق المختلفة، مثل الشراء والتبادل، والإهداء، والإيداع، وتنظيمها من خلال فهرستها، وتصنيفها، وترتيبها على الرُّفوف، ليسهل استرجاعها بسهولة وفي أقصر وقت مُمكن، وتُقدِّم خدماتها لجميع أفراد المجتمع الذين يحتاجونها، من خلال خدمات الإعارة والدوريات والتصوير والمراجع، والإحاطة الجارية، والبث الانتقائي للمعلومات، بالإضافة للخدمات المُحوسبة عن طريق كادر بشري مؤهَّل علميًّا وفنيًّا وتقنيًّا، في مجال علم المكتبات والمعلومات " ، ولذلك حرصت الدولة ـ أيدها الله ـ على أن تنال المكتبات حقها ومكانتها ضمن برامجها وخططها ، وجاء تأسيس هيئة المكتبات في فبراير 2020م، ضمن أحد عشر هيئة ثقافية تابعة لوزارة الثقافة .
ومن خلال ركائز وأهداف محددة تعمل الهيئة على دعم التحوّل الرقمي لخدمات المكتبات ، وتطوير كفاءة القطاع ، وتشجيع الابتكار والاستثمار ، وتطوير منظومة مصادر التمويل ، وتعزيز المشاركة المجتمعية ، وتحسين إتاحة الوصول لخدمات المكتبات ، ورفع مستوى الوعي المعلوماتي وتعزيز العادات القرائية ، وتنشيط المكتبات كمراكز للتعليم والثقافة والتنمية المجتمعية ، وتطوير الكفاءة الإدارية والتشغيلية ، وتوفير بيئة عمل جذّابة وبناء قدرات داخلية متطورة ، وتفعيل الشراكات المحلية والإقليمية والدولية.
وفي اللقاء المفتوح الذي نظمته الهيئة في سبتمبر 2023 بعنوان: "تحفيز الابتكار في قطاع المكتبات" ، خطوة لاستهداف جميع المهتمين والعاملين في القطاع واطلاعهم على استراتيجية الهيئة وتحفيزهم على الابتكار في المشاريع والبرامج التي تخدمها، وتسهم في تطوير القطاع ، فقد أبرز لمحةٍ موجزة عن استراتيجية الهيئة ، واستعراضٍ أبرز المبادرات المحورية لها مثل مبادرة تطوير المكتبات العامة، ومبادرة المكتبة الرقمية، إضافةً إلى عرضٍ يلخّص جهود الهيئة في مجال تحفيز الابتكار في قطاع المكتبات والمعلومات بالمملكة .
ومن خلال الهيئة وما تقدمه من أعمال يمكن القول بأن المكتبات بخير ، والكتاب باق بين ايدي القراء .
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com