في سبعينيات القرن الماضي لم تكن الكهرباء والتلفاز قد دخلا الى القرى الساحلية في عدن التي نسكنها بعد… نوم السطوح كان جزء من نمط حياتنا في ذلك الزمن يضفي عليها جمال البدر في الأشهر القمرية جمالا فوق جمالها… ما أن ينتهي الناس من تناول وجبة العشاء حتى يتسابق الصبية والشباب للصعود ( لريل) المنازل استعدادا للنوم…
يبدأ تداول الحديث من شخص لآخر وتتداخل الآحاديث مع بعضها… سكون الليل يجعل من تلك الأصوات تسري في كثير من الأحيان إلى بعيد…لا تثير تلك الأصوات إستغراب أحد فالأمر مألوف جدا عند الجميع… حسن يسأل جاره محسن عن إصابة حسين في مباراة اليوم ومحسن يتوعد برد الهزيمة بهزيمة أشد في النزال القادم… سعيد من على سطح (البنجلة) يحكي لجاره عن سمك( الضرك/ الديرك) الذي مزق الشباك عصر الأمس من كبر حجمه وشدته … معروف الجار الآخر لهما يتداخل بالحديث حول توقعه بأن يكون الموسم موسم خير وبركة… من بعيد يأتيك صوت (المسجل) القادم من عند العم عوض عاشق الطرب الأصيل وتسمع تلك الاغاني التي يحبها (قطع قلبي على سته وسبع) و(في نصيف الليل والعالم رقود)..العم صالح ممسكا الراديو الخاص به يتنقل بها بين إذاعة صوت العرب من القاهرة لإذاعة لندن يتتبع أخبار العالم أحيانا وينتقل احيانا أخرى لسماع برنامج نور على الدرب من إذاعة المملكة…تكون ( الدارة) وهي قلب المنزل مفتوحة ومطلة مباشرة على السماء هي مساحة مخصصة لنوم النساء والأطفال في شهور الصيف… يتبادل البعض منهن الرأي فيما قدماه المبدعين لول نصيب و محمد قائد في المسلسل الاذاعي الشهير بتلك الفترة (سلامه وشروه)بلهجته اللحجية الممتعة والبعض منهن يناقشن استعدادهن لزواج بنت الجيران في الأسبوع القادم …
تتحول تلك الأسطح لتقاربها وألفة سكانها الى حلقات نقاش في الرياضة والأصطياد وشؤون المجتمع المحلية وغيرها..كان لا يشغلهم الفلم ولا المسلسل ولا يخيم عليهم الصمت وهم يطالعون شاشات التواصل الأجتماعي.. تبادلهم لأطراف الحديث والأخذ والرد وطرح النكات كل ذلك كفيل بأن يخلق نوعا من الألفة والتقارب بين الأرواح …
بعد نفاذ الحديث يتوسدون وسادئهم ويطالعون ذلك القمر المنير الذي يتوسط كبد السماء… يعطي كل فرد منهم الفرصة للجلوس مع ذاته… يفكر يخطط يحلم حتى يقطع عليه النوم حبال أفكاره فيغط في نوم عميق.. الأصوات تخفت شيئا فشيئا ليعم السكون كل المكان حينها تدرك أن الجميع قد خلدوا للنوم..
على الشاطئ الممتد من الجبل الى الجبل يفضل مجاميع من الأهالي النوم على رماله… ضوء القمر وانعكاسه على سطح البحر يجعل من أمواجه حبيبات لؤلؤ منثورة تسر كل من يطالعها… المبيت والنوم بين تلك الرمال البيضاء الدافئة وتحت ضوء القمر الساحر تشبع الجسم وتملؤه سكينة… كل ما في المكان يضفي على الفرد راحة نفسية لاااا حد لها… ترتاح الأعصاب… تصفى الرئيتان… تستمتع العينان…وبالتقارب تزداد المحبة ويعم السلام..كل الجمال يا أحبتي يتجلى بقمر وبحر ورمل ومشاعر إنسان.