منذ عدة عقود تجاوزت خمس وستون عاما وقبل ظهور التلفزيون ونحن صغار كنا نسعد بسماع دوي المدافع من فوق قمة جبل سلع شمال غرب المسجد النبوي الشريف وبعض المواقع حول المدينة المنورة معلنة دخول الشهر الفضيل بعد وصول الخبر من الديوان الملكي بثبوت مشاهدة الهلال بشهود عدول ويعلن ذلك بواسطة الاذاعه ،،
فنخرج في مجموعات (شباب وأطفال الحارة ) لنقوم بالتجول من داخل حينا الى خارج الاحياء والشوارع القريبه بفعاليه كنا نسميها(جابو ..ماجابوه)وهي عبارة عن فرحه عارمه بثبوت دخول الشهر الفضيل وبذلك يتم اختيار أحد المشاركين من الصغار الاخف وزناً ويتم تغيير ملامح وجهه ببعض من الالوان الطريفه (الكوميدية)باللون الاسود باستخدام قطع من الفحم ،ويوضع فوق رأسه (طربوش) من الورق الملون وحسب المتوفر ويُحمل على كتف احد المشاركين ويتم التجول به وهو محمول ويبدأ بقوله (جابوه)ترد المجموعه المرافقه معه (ماجابوه) يعيد المحمول قوله(ولد العوري ) ترد المجموعه (طهروه)وتستمر المسيره او الجوله على نحو ذلك لفتره من الزمن ونشاهد الأهالي وهم يراقبون المشهد من خلال النوافذ والرواشين المطله داخل الاحياء والشوارع المحطية ومواقع مرور المجموعه وتستمر بالاتجاه الى ساحات المسجد النبوي الشريف الخارجيه ومن ثم العوده الى نقطة انطلاق المجموعه داخل الحي ،وعدة احياء داخل المدينه تقوم بنفس الفعالية والجميع سعداء بهذه المناسبه العزيزه على قلوب جميع المسلمين حول العالم ،ونلاحظ اتجاه اولياء الامور الى المسجد النبوي الشريف لاقامة صلاة التراويح فى ليلة دخول الشهر الفضيل ،وبعد ذلك يتزاور الاقارب والأهالي والاصدقاء من كبار السن وعمداء الأسر لتهنئة بعضعهم البعض بهذه المناسبه السعيده ويحمدون الله تعالى ان بلغهم رمضان ويسألونه تعالى ان يعينهم على صيامه وقيامه ويتقبله منهم ،حلول الشهر الفضيل سعادة من الصعب وصفها فى سطور محدوده ،يتساوى الجميع اغنياء وفقراء والكل يجاهد لكسب الأجر والثواب من الله في هذه الايام المعدودة بتلاوة كتابه الكريم والاعتكاف والتصدق والقيام بكل الاعمال الخيريه ومساعدة المحتاجين من الفقراء والمساكين والمرضى والايتام والأرامل بكل جد واجتهاد وبنفوس جُبِلت على فعل الخير ،شهر رمضان تتنوع فيه الانشطه من مأكل ومشرب و العاب ترويحيه مباحه للكبار والصغار كذلك تنشط المسابقات لحفظ كتاب الله، والصيام تربية للنفس والروح والجوارح واختبار صبرها والزيارات الاسريه وصلة الرحم ،
وكنا نتابع بعض التمثيليات الفكاهيه بعد الافطار من خلال المذياع (الراديو)قبل ظهور التلفزيون خاصة تمثيلية أم حديجان ،وحاجي تخته ،وغيرها من المنوعات الرمضانيه وبعض المسابقات الخفيفه ،وفى برامج السهره تذاع بعض التمثيليات من التراث مثل الف ليله وليله ،وجحا ،واشعب ومسرح الاذاعه ،وبعض التمثيليات التاريخيه لأبطال من المسلمين ، كما يتم متابعة بعض الاذاعات العربية بما تقدمه من برامج ترويحيه رمضانية ،ومنذ بداية شهر رمضان نجد الاسواق تعج بالمرتادين من بعد صلاة الظهر الى قبيل الغروب ،فنشاهد الباعة المتجولين خاصةً حول المسجد النبوي الشريف ،وفي ساحاته الخارجية وأشهر موقع (شارع العينية )ويقع غرب المسجد النبوي الشريف من بعد برحة باب السلام بالاتجاه غرباً الى حد شارع المناخة ،فنشاهد على جانبي الطريق البسطات التي تُباع فيها كل ما يهم الصائم من الاطعمة والمخبوزات والمشروبات بأنواعها والتمور ،ونسمع نغمات البائعين وهم يعلنون عن بضائعهم المعروضة بكلمات جميلة ومتفائلة (عبي فطورك يا صايم…في الجنة نايم يا صايم )،نشاهد الابتسامة والقناعة والتسامح بين البائع والمشتري ،
ينقضي رمضان وفى نفوسنا الامنيات بإستمراره لروحانية نهاره و لجمال لياليه ، وظاهرة التكافل الاجتماعي بين الجيران بتقديم اطباق متنوعه من الاطعمه الشهيه فى تبادل مستمر طوال الشهر الكريم فى اختلاف عن بقية ايام السنه ومن المستحيل ان تجد سفرة رمضانية من إعداد ربة البيت فقط وإنما متنوعة من الجيران إضافةً الى ماتم اعداده من ربة البيت .
نسال الله جلَّ وعلا ان يكتبنا فى هذا العام من صوامه وقوامه ولأعوامٍ عديدة قادمة ونحن وانتم بأتم صحه وسلامه وحفظ من المولى العلي القدير ... وكل عام وانتم بخير،، ورمضان مبارك
بقلم - مجمد جبريل أبو القاسم فلاته
من أيام الطيبية … قدوم شهر رمضان المبارك
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://shahdnow.sa/articles/250188/