رمضان محطة روحية للتغيير الإيجابي، غايتها تحقيق التقوى لإعادة تأهيل وبناء الروح وترميم فجوات الغفلة، يقول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183).
رمضان دورة لفطام النفس عن الانقياد للشهوات والشيطان، فيصبح المسلم صالحًا مصلحًا يقود نفسه ولا تقوده، ولكننا للأسف حصرنا رمضان في الأكل والشرب وغفلنا عن مغزاه السامي وهو التقوى، لذلك إنْ لم يَزِدْ صيامك في تُقاك، فإنما هو إنهاك لِقواك.
ومما يقع فيه البعض من الناس في هذا الشهر الفضيل التقصير في أداء الفرائض، وذلك مثل من يقصر في أداء صلاة الظهر بسبب النوم طيلة نهاره، فيجب علينا ألا ننسى أن صلاة الظهر أعظم وأحب إلى الله من صلاة التراويح، ولن يسألك الله إلا عن الفريضة، أما النافلة فهي زيادة أجر، فلا يكن نشاطك وحرصك على النافلة أكبر من حرصك على الفرض.
وفي هذا السياق، يقول الشيح الشنقيطي: " من الغبن أن تنام عن الظهر والعصر في رمضان، ثم تتعنى لصلاة التراويح والتهجد! وهذا من طغيان المظاهر علينا، فريضة واحدة خير من قيام كل رمضان".
كما نذكر أنفسنا جميعاً أن صوم رمضان هو الركن الرابع من أركان ديننا الحنيف، وأن الصلاة هي الركن الثاني، فلا تفخر بصيامك وأنت نائم عن صلاتك.. بارك الله فيمن حرص على أداء الفرائض، واجتهد في النوافل،
فشهر رمضان فرصة عظيمة حري بالعبد أن يستغلها في إصلاح ما بينه وبين الله -عز وجل-، وفي الحديث أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- رقِيَ الـمِنْبرَ، فقال:"آمينَ، آمينَ، آمينَ، قيل له: يا رسولَ اللهِ، ما كُنتَ تَصْنَعُ هذا؟! فقال: قال لـي جِبريلُ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أدرَكَ أَبَوَيْه أو أَحَدَهما لَـمْ يُدْخِلْه الجنةَ، قلتُ: آمينَ، ثم قال: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عليه رَمضانُ لَـمْ يُغْفَرْ له، فقلتُ: آمينَ، ثم قال: رَغِمَ أنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتَ عِنْدَه فلَمْ يُصَلِّ عَليْك، فقُلتُ: آمينَ" (رواه البخاري).
وقد تفضل الله - تعالى- على عباده بهذا الشهر، فسهل فيه العبادة، وسلسل فيه الشياطين، وفتح فيه أبواب الجنة، وأغلق فيه أبواب النار، وذلك من عظيم رحمته - سبحانه- بعباده، حتى يهيئ لهم أبواب الخير والتوفيق، وحتى يتعرضوا لما في هذا الشهر من الرحمات والنفحات الربانية.
وينبغي على العباد أن يسارعوا في الخيرات والطاعات ابتغاء مرضاة الله -عز وجل- ففي هذا الشهر يفوز بعض ويخسر آخرون؛ لذا يقول ابن رجب عن بعض السلف: (إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته؛ فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا).
تقبل الله منا ومنكم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على رسولنا محمد أشرف المرسلين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عضو مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية