من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه -عز وجل- في شهر رمضان الدعاء ، قال الله تعالى: (وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرين)، غافر 60
قال الخطابي: "معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ. وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرٌّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه" وقد ثبت فضل الدعاء في الكتاب والسنة و الإجماع .
قال تعالى (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
قال تعالى ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ )
والدعاءعبادة عظيمة وقربة وامتثالاً لأمر الله .
عن النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدعاء هو العبادة))، ثم قرأ: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]؛ رواه أحمد
فمن علامات الايمان اللجو إلى الله لاقرار بربوبية الله وألوهية واسمائه وصفاته .
قال جل وعلا (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
الدعاء من أفضل وأكرم الأمور على الله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدعاء». رواه الترمذي
ومن ترك الدعاء و التضرع لله عقوبته كما جاء في حديث
وعن أبى هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "مَن لَم يَدْعُ اللهَ سبحانه غَضِبَ عليه"، الترمذى
أقوال العلماء في فضل الدعاء :
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمة الله ( من نزل به بلاء عظيم او فاقة شديدة او خوف مقلق ، فجعل يدعو الله ويتضرع اليه حتى فتح الله له من لذة مناجاته ما كان احب اليه من تلك الحاجة التى قصدها أولاً) الفتاوي ١/ ٢٨
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ العَسْقَلَانِيُّ - رَحِمَهُ اللّٰهُ - :
" عِلَاجُ الأَمْرَاضِ كُلِّهَا بِالدُّعَاءِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَىٰ اللّٰهِ ، أَنْجَعُ وَأَنْفَعُ مِنْ العِلَاجِ بِالعَقَاقِيْرِ ، وَأَنَّ تَأْثِيْرَ ذَلِكَ وَانْفِعَالِ البَدَنِ عَنْهُ ، أَعْظَمُ مِنْ تَأْثِيْرِ الأَدْوِيَةِ البَدَنِيَّةِ ؛ وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْجَعُ بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ العَلِيْلِ ، وَهُوَ صِدْقُ القَصْدِ ، وَالآخَرُ مِنْ جِهَةِ المُدَاوِي ، وَهُوَ قُوَّةُ تَوَجُّهِهِ وَقُوَّةُ قَلْبِهِ بِالتَّقْوَىٰ وَالتَّوَكُّلِ ، واللّٰهُ أَعْلَمُ " [ فَـتْـحُ الـبَـارِي (١١٥/١٠) ]
قال ابن القيم رحمه الله : " فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه والشكوى إليه , ولا يحب التجلد عليه , وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه , وتذلله له وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه وقلة صبره , فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه , وعليك بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف , فرحمته اقرب إلى هذا القلب من اليد للفم " . من كتاب الروح 1/259
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
الدعاء يجلب الخيرات ويستدفع به البلاء ، وما دعى الله داعٍ إلا أعطاه ما سأله مُعجلا أو ادخر له خيرًا منه ثوابًا مؤجلا وصرف عنه من السوء أعظم منه كرمًا منه وإحساناً وتفضلا .
أنواع الدعاء :
١- دعاء العبادة :-هو كل عبادة أمر الله بها وجوبًا أو استحبابًا، فإذا أدى المسلم أي عبادة فرضًا أو نفلاً فقد توسل بهذه العبادة إلى الله –عز وجل-
٢-دعاء المسألة :- فهو الطلب من الله - تعالى - قضاء الحاجات التي يعينها العبد او جلب منفعة او كشف ضر
شروط إجابة الدعاء :
١- الاخلاص في الدعاء أن تدعو اللهَ وحدَه ولا تدعو سواه ،خوفاً وطمعاً، رغباً ورهباً، هكذا ينبغي أن يكون المسلم.
قال تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )
وقال تعالى (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
٢- الاقتداء والاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم بالفعل والقول فهذا شرط في قبول العبادات والدعاء من افضل العبادات ، والعبادات مبناها على السنه والاتباع لا على الهوي والابتذاع
قال تعالى ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) مثل أن ياتي بإدعية من احاديث موضوعه على النبي صلى الله عليه وسلم او يقوم يدعو عند قبر او يشرع ليوم معين دعاء وهو لم يثبت في السنه فهذا مردود عليه
٣-احسان الظن بالله لما روى الترمذي (3479) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ) . رواه الترمذي
٤- تجنب أكل الحرام وشربه فإنه من موانع اجابة الدعاء .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك .
٥- لا يدعو بقطيعة رحم او أثم
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم، أو قطيعة رحِم، ما لم يستعجل)) رواه البخاري ومسلم
٦- عدم الاستعجال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم، أو قطيعة رحِم، ما لم يستعجل)) قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: ((يقول: قد دعوتُ، وقد دعوتُ، فلم أرَ يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدَعُ الدعاء))؛ متفق عليه
٧- التوسل لله باسمائه وصفاته.
قال تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) [الأعراف:180]
٨- المسارعة للخيرات قال تعالى ( انهم كانوا يسرعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ) الانبياء.
ومن دعاء غير الله (حياً او ميتا ً حاضرا ً او غائبا ً )طلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك بالله وتكبر عليه .
نسأل ان يجعلنا واياكم ممن فاز بعظيم الثواب و الإجر.