ليلة القدر ليلة شريفة اختصها الله - عز وجل - من بين الليالي ، ليلة العبادة فيها هي خير من عبادة ألف شهر، أكثر من عبادة ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر..
فضلها :-
يفصل فيها من اللوح المحفوظ إلى الكتبة من الملائكة من الأقدار قال تعالى : { حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }[الدخان:1-6].
أنه يكثر فيها تنزل الملائكة؛ لكثرة بركتها، قال سبحانه وتعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [القدر:1-5]
ومن فضائلها أن الله يغفر لمن قامها إيماناً واحتساباً ما تقدم من ذنبه ، عن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنهُ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنَّه قال: (( مَن قام ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تَقدَّمَ من ذَنبِه)) رواه البخاريُّ ومسلم .
فضائل ليلـة القـدر :
1- أن الملائكـة تتنـزل فيهـا مـن السـماء، كـما قـال سـبحانه: { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } والروح هو جبريل عليه السلام وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال : إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى. كما دلت الآيات على أنها ليلة سالمة من العقاب و العذاب .
2- ومن بركاتها ما صح عنه أن ليلة القدر يفتح فيها البـاب ، و يقـرب فيهـا الأحبـاب ، ويســمع فيهـا الـدعـاء ويكتـب للعاملين فيها عظـيم الأجـر والثواب ،
متى ليلة القدر ؟
إن من رحمة الله بعباده أن أخفى عنّهم متى ليلة القدر كل ذلك رحمةً بعباده ليكثر عملُهم، ويشتدُّ طلبُهم، واختبارا لهم ليتبين من كان جادا في طلبها حريصا عليها ، ممن كان كسلانَ متهاون .
اختلف في تحديد ليلة القدر؟
أوصَلَ الاقوال الإمامُ ابنُ حَجَرٍ في الفتح في تحديد ليلة القدر إلى سِتَّةٍ وأربعينَ قولًا. والجمهور: على أنها في العشر الأواخر، كما دلَّت عليه الأحاديث الصحيحة. قال ابنُ تيميَّةَ: ( وبعضُهم يُعيِّنُ لها ليلةً من العشْرِ الأواخرِ. والصَّحيحُ: أنها في العَشْرِ الأواخرِ تَنتقِلُ). واختلفوا في أيِّ ليالي العشر أرجى؟
ـ القول الأول : حكي عن الحسن ومالك: أنها تُطْلَبُ في جميع ليالي العشر ( الشفع والوتر )
عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها قالتْ: كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يُجاوِر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ، ويقول: (( تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ )) رواه البخاريُّ (2020)، ومسلم (1169)
ـ القول الثاني: أنها في أوتار العشر أرجى من غيرها وأن هذه الليلة متنقلة في العشر وليست في ليلة معينة منها دائماً فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين وقد تكون في ليلة خمس وعشرين وقد تكون في ليلة سبع وعشرين.
عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال :( تَحرُّوا لَيلةَ القَدْرِ في الوَتْر من العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ) رواه البخاريُّ (2017)
ـ القول الثالث : الْتِماسها في التَّاسعة والسَّابعة والخامسة من العَشر :
عن ابنِ عبَّاس رضِيَ اللهُ عنهُما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:( الْتمِسوها في العَشر الأواخِر من رمضانَ؛ لَيلةَ القَدْر في تاسعةٍ تَبقَى، في سابعةٍ تَبقَى، في خامسةٍ تَبْقَى) رواه البخاريُّ (2021)
ـ القول الرابع : الْتِماسها في السَّبع الأَواخِر:
عن عبداللهِ بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: (( الْتمِسوها في العَشرِ الأواخِرِ - يعْنِي: ليلَةَ القدْرِ فإنْ ضَعُفَ أحدُكم أوْ عَجَزَ، فلا يُغْلَبَنَّ علَى السَّبْعِ البواقِي )) رواه مسلم (1165)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان مُتحرِّيها فليتحرّها في السبع الأواخر» رواه البخاري ومسلم .
ـ القول الخامس : أنَّها ليلةُ الثَّالث والعِشرين :
عن عبداللهِ بن أُنيسٍ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: (( أُريتُ ليلةَ القَدْر، ثمَّ أُنسيتُها، وأَراني صُبحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ ))، قال: فمُطِرْنا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرين، فصلَّى بنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ فانصرَف، وإنَّ أثَرَ الماء والطِّين على جَبهته وأنفِه. قال: وكان عبدالله بن أُنيسٍ يقول: ثلاث وعِشرين. رواه مسلم (1168)
ـ القول السادس : أنَّها ليلةُ السَّابع والعِشرين:
قال أُبيُّ بنُ كَعبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ في لَيلةِ القَدْرِ: (( واللهِ، إنِّي لأَعلمُها، وأكثرُ عِلمي هي اللَّيلةُ التي أَمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بقِيامِها، هي ليلةُ سَبعٍ وعِشرينَ )) رواه مسلم (762)
ومن نظر في الاحاديث الواردة في تحديد ليلة القدر وجد انها ثابته عن النبي صلى الله عليه وسلم والجمع بينها ممكن بالعمَلَ بجميعِها ، وقد نُقِلَ إجماعُ الصَّحابةِ على كَونُها في العَشرِ الأواخِرِ من رَمضانَ عن ابن عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: « دعا عُمرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه أصحابَ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسأَلَهم عن ليلةِ القَدْرِ؟ فأجْمَعوا أنَّها في العشْرِ الأواخرِ...».
هدى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر:
قد كان النبي ﷺ يخص هذه الليلة بمزيد اجتهاد لا يفعله في ليالى رمضان فكان يحيي ليله بالصلاة والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن و الذكر قالت عائشة رضي الله عنها، كان النبي ﷺ : يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها. وقالت: ( كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشدَّ المئزر )
وكان من هدية صلّى الله عليه وسلّم أن يوقظ أهله للصلاة والذكر والدعاء حرصاً منه على اغتنام تلك الليالي المباركة، وكان صلّى الله عليه وسلم يطرق باب فاطمة وعلياً ليلاً فيقول لهما: «ألَا تقومانِ فتُصلِّيانِ».
وكان يعتكف فيها عليه الصلاة والسلام كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: «كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعْتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانٍ عَشَرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كانَ العَامُ الذي قُبِضَ فيه اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا.».
والاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله .
- الدعاء وسؤال الله ،عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله: إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها، قال: قولي: ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)
- إحياؤها بالتهجد في المسجد أو في البيت عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ».
- التنظف والتزين والتطيب واللباس الحسن في الليالي التي يرجى فيها ليلة القدر قال ابن جرير : كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر.
وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر فأمر زر بن حبيش بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان.
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل و تطيب ولبس حلة إزار أو رداء فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل.
قـال ابن رجب رحمه الله : « يُستحبّ في الليالي التي تُرجى فيها ليلة القدر التنظّفُ ، والتطيّب والتزيّن بالغُسل والطيب ، واللباس الحسن». لطائفُ المعارف(١٧٩)
اللهُم بلِّغنا ليلة القدر واكتُبنا من عُتقائك من النار ووالدينا وجميع المسلمين.