يشهد وقتنا العاصر تطورًا سريعًا في مجالات كثيرة ومن أبرزها التطور التكنولوجي التقني ويظهر ذلك جليًا في كثيرٍ من المجالات، ففي مجال القضاء نجد نقلة نوعية في بيئة التقاضي ومن أبرزها التحول الرقمي للجلسات في الدعاوى فأصبح حضور الجلسات الكترونيًا ولا يتطلب حضورًا شخصيًا، وكذلك في الإثبات القضائي فالتطور التقني أسفر عن ظهور وسائل إثبات جديدة لم تكن موجودة مسبقًا على جميع المستويات على المستوى المحلي والدولي وعلى مستوى الفرد أو الحكومات، وللإثبات أهميته البالغة في حماية وحفظ الحقوق، فلا يمكن الفصل في أي دعوى ما لم تتوافر فيها أدلة مقبولة ومشروعة تصلح للفصل فيها، ويستطيع القاضي أن يبني عليها الحكم في الدعوى المعروضة عليه، ومن الوسائل الجديدة في إثبات الحقوق الدليل الرقمي،
فما هو الدليل الرقمي؟ وما مدى حجيته في الاثبات بالنظر إلى القانون السعودي؟
بداية يعرف الدليل الرقمي فعرف بأنه دليل ذو طابع رقمي سواء كانت نصوص أو صور أو أصوات ورسومات والذي تم ضبطه بالوسائل المشروعة من أجهزة ذات طبيعة رقمية والتي يمكن تجميعها وتحليلها باستخدام برامج خاصة من قبل المختصين لتحليلها بغرض تقديمه لإثبات أمام القضاء المختص وقد عرفه نظام الإثبات السعودي بأنه " كل دليل مستمد من أي بيانات تنشأ أو تصدر أو تسلم أو تحفظ أو تبلغ بوسيلة رقمية، وتكون قابلة للاسترجاع أو الحصول عليها بصورة يمكن فهمها" وقد أشارت مواد نظامي المحاكم التجارية والإثبات للأدلة الرقمية المعتبرة فقد ذكر في نظام المحاكم التجارية صور الدليل الرقمي بأنها (المحرر الالكتروني، الوسائط الإلكترونية، وسائل الاتصال، البريد الإلكتروني، السجلات الإلكترونية، أي دليل آخر تحدده اللائحة)، إلى جانبه ذكر نظام الاثبات صور المحرر الدليل الرقمي بأنها (السجل الرقمي، المحرر الرقمي، التوقيع الرقمي، المراسلات الرقمية بما فيها البريد الرقمي، وسائل الاتصال، الوسائط الرقمية، أي دليل رقمي آخر) ويلاحظ من نص النظامين توسع نظام الاثبات في الأدلة الرقمية كونه أجاز إدراج أي دليل رقمي آخر بينما نظام المحاكم التجارية حدد الأدلة الإلكترونية بالمنصوص عليها في اللائحة فقط.
أما في الحديث عن حجية الدليل الرقمي في النظام السعودي وجب التوضيح بداية أن الدليل الرقمي لم يكن دليلًا حديثًا على النظام السعودي، حيث كان حاضرًا منذ القدم ولكن لم يحظى بالحجية كما يحظى بها الدليل الرقمي في وقتنا الحالي، فقد كان يعتبر قرينة يستأنس بها ولا يكون في أي حال من الأحوال بمرتبة الدليل التقليدي، فقد كانت وسائل الاثبات محصورة في صورها التقليدية المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية سابقًا، وبعد صدور نظام التعاملات الإلكترونية أصبح الدليل الرقمي ذا مرتبة أعلى من كونه قرينة عادية إلى قرينة قوية قد تصل إلى حجية الدليل التقليدي ولكن باشتراطات وضوابط يحددها النظام وتختلف بطبيعة الحال هذه الاشتراطات عن اشتراطات الدليل التقليدي، ومما يؤيد ذلك قرار الهيئة العامة للمحكمة العليا والتي نصت فيه أن " الدليل الرقمي حجة معتبرة في الإثبات متى سلم من العوارض، ويختلف قوة وضعفاً حسب الواقعة وملابساتها وما يحتف بها من قرائن"، وبصدور نظام الإثبات والذي نص بشكل صريح على اعتبار الدليل الرقمي بمثابة الدليل التقليدي وذلك ما نصته المادة الخامسة والخمسون " يكون للإثبات بالدليل الرقمي حكم الإثبات بالكتابة الوارد في هذا النظام" وهذا نص صريح على اعتبار الدليل الرقمي كالكتابة أي أنهم متساوين في الإثبات وذلك ما ينتقل به الدليل الرقمي من كونه قرينة قوية قد تصبح حجة بانطباق الاشتراطات التي نص عليها النظام إلى أن يصير دليلا مستقلاً بذاته ويمتلك الحجية نفسها التي يمتلكها الدليل التقليدي.
وقد نص النظام كذلك على مساواة الدليل الرقمي الرسمي بالمحرر الرسمي ويعرف المحرر الرسمي بأنه المحرر الذي يثبت فيه موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن طبقاً للأوضاع النظامية، وفي حدود سلطته واختصاصه، وهذه المساواة ذكرت نصا " يكون للدليل الرقمي الرسمي الحجية المقررة للمحرر الرسمي إذا استوفى الشروط المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة الخامسة والعشرين بما في ذلك ما يصدر آلياً من الأنظمة الرقمية للجهات العامة أو الجهات المكلفة بخدمة عامة ويستنتج من المادة السابقة أن الدليل الرقمي حجة على الكافة بما يحتويه وبما دون فيه إذا كان مثبتا على يد موظف عام أو شخص كلف بخدمة عامة وذلك في حدود سلطاته واختصاصه.
وفيما يتعلق بالدليل الرقمي غير الرسمي فقد نصت المادة السابعة والخمسون بـأنه " يكون الدليل الرقمي غير الرسمي حجة على أطراف التعامل ما لم يثبت خلاف ذلك في الحالات الآتية:
1. إذا كان صادراً وفقاً لنظام التعاملات الإلكترونية أو نظام التجارة الإلكترونية.
2. إذا كان مستفاداً من وسيلة رقمية منصوص عليها في العقد محل النزاع.
3.إذا كان مستفاداً من وسيلة رقمية موثقة أو مشاعة للعموم."
ويظهر من هذه المادة توسيع نطاق الدليل الرقمي واعتبار حجيته أصلية فيه لا خارجة عن ماهيته، ومما يؤكد ذلك المادة التالية في النظام والتي تنص على الخصم الذي يدعي عدم صحة الدليل الرقمي المنصوص عليه في المادتين السادسة والخمسين والسابعة والخمسين عبء إثبات ادعائه." وبذلك اعتبر الدليل الرقمي حجة قاطعة وعلى من يدعي خلاف المنصوص عليه اثبات عكسها.
وأخيرا وباستقراء النصوص السابقة يظهر جليًا بأن الدليل الرقمي ذا حجية أصلية ويمكن الاستفادة منه في جميع القضايا المدنية والتجارية، وأن الأصل صحتها إلا في حال ثبوت خلاف ذلك.