يقول والحُرقَة تأكُل قَلبَه: مرت عليَّ سنوات العُمر الذَّهبي في الزَّواج بصحبة شريكة حياتي.. مرت كلمح البصَر، عملنا، وأنجبنا، واجتهدنا في مسؤولياتنا.. كانت أشبه ما تكون برحلة سفر تحمَّلنا فيها أعباء السفر ووعثاء الطريق بانتظار لحظة الوصول لغاية الرحلة للبدء بالاستمتاع.. لكن بينما كنا ننتظر الوصول ضاع العُمر!
إن من المقاصد الكبرى للزواج تحقيق السَّكن الذي يُنتج سعادة وسكونًا لقلب الشَّريكين، لا أن تكون حياةً وظيفيَّة تقوم على روتين ومستلزمات، ولعلك تقرأ هذا في سؤاله صلى الله عليه وسلم جابرَ بن عبد الله رضي الله عنه: " أتَزَوَّجْتَ؟"، قال: نعم، قَالَ: "أبِكْرًا أمْ ثَيِّبًا؟" قَالَ: قُلتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: "فَهَلَّا بكْرًا تُلَاعِبُهَا وتُلَاعِبُكَ؟"، نعم.. رغَّبَهُ النبي صلى الله عليه وسلم في أن ينكح بِكرًا تكون أقرب لقلبه لم تتعلق بغيره، وتكون أكثر ابتهاجًا بالحياة وأُنسًا بزوجها، وعبَّر عن لحظات الأنس تلك بالملاعبة، فحياة بلا ملاعبة وملاطفة أقرب للذُّبول والأُفول..
الحياة الزَّوجيَّة مليئة باللَّحظات التي تستحق أن تُعاش بصورة أفضل، تستطيع أن تخلِّد ساعات وساعات في رصيد المتعة التي تكون لاحقًا مصدرًا للسعادة بمجرد تذكُّرها!
الحياة الزَّوجيَّة بطبيعتها تأخُذك للمسؤوليات، وللرُّوتين، فإذا استسلمت لأمواجها حملتك في لُجَج بحرها فإذا أنت تعيش لتمثيل الحياة لا لعيش الحياة!
الحياة الزَّوجيَّة تُنشئ علاقة بين طرفين للتعاون على نوائب الدهر، وبناء حياة هادئة هانئة تجمع الجدَّ واللَّعب، الفرح والحزن، الهم والهمَّة.. لكن تلك الشراكة تحمل في كل مرحلة من مراحلها عوامل السعادة لمن أراد أن يفعِّلها ويعيشها.. فإذا ما تأخرت في استثمار تلك اللحظات رحلت إلى غير رجعة! وصدق الحِلِّي إذ يقول:
ليسَ كُلُّ الأوقاتِ يجتمعُ ... الشَّملُ ولا راجعٌ لنا ما يفوتُ
فاغتنم ساعةَ اللِّقاء فمـــا ... تعـلمُ نفسٌ بأي أرضٍ تـمـوتُ!
شهر العسل –كما يسمون- مرحلة لتأريخ بداية صحيحة مع شريكة حياتك، ومرحلة الحمل الأولى تجربة أخرى يمكن أن تكون مرحلة ذهبيةً كذلك، ومولود بينكما يجعل البيت أكثر ابتهاجًا وإشراقًا، وصحبة في السفر ومشاركة في الطاعات والصِّلة والبر تجلب البركة على بيتك، ومتعة متابعة دراسة الأبناء وتعليمهم، ثم رفقتهم في دروب الحياة روح، وحياة يمكن أن نعيش تفاصيلها بتغيير الروتين مهما امتدت الحياة وانتظمت وتيرتها.. لكن ذلك مرهون برغبة في أن تَسعد وتُسعِد.. وتعيش الحياة بالأملِ والتَّفاؤل، فإذا ما قست الأيام، وتقلَّبت الأحوال بقي الحبُّ بينكما حاضرًا يغفر كُلَّ هفوة، ويشفع في كلّ زلَّة، فكان حالكما:
وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ ... جاءت محاسنهُ بألفِ شفيعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باحث لُّغوي وناشط اجتماعي