أغلب جيل الطيبين كانت ولادتهم في البيت لذلك البعض منهم ليس لديه شهادة ميلاد ولكن لديه شهداء ميلاد، فربما يكونون شهداء ميلاده أبو علي جارهم وإمام المسجد لأنهم حضروا عقيقته ويعتمد دخوله المدرسة على حسب حجم جسمه وكبر رأسه، فربما ابن عمه يدخل المدرسة قبله علما أنه مولود بعده ويعتمد ذلك على حسب فراسة مدير المدرسة الذي كان لديه سلطة وهيبة عمدة الحي أو على حسب تقرير الطبيب في المستشفى الذي يبني تقريره على حجم أسنانه فإذا كانت مثل أسنان الغزال فهو صغير على المدرسة وان كانت مثل أسنان الحصان فهو أول المقبولين في سنة أولى ابتدائي
ما دعاني إلى تذكر وذكر ما ذكرت أعلاه هو أنه في حوار ونقاش مفتوح مع أحد صغار السن في المرحلة الثانوية قال لي و-بكل فخر- وثقة بالنفس أنه اكتشف أن عمره أربعون سنة وأنه رجل يمكن الاعتماد عليه وأخذ رأيه واستشارته في كل الأمور، -بكل صراحة- أعجبت بثقته في نفسه وأكملت معه الحوار لعلي أستفيد منه، فالحكمة ضالة المؤمن فأينما وجدها فهو أحق بها والقول الراجح والسديد ليس حكرا على أحد أو سن معينة.
وأثناء الحوار مع هذا الحكيم الصغير كان أكثر ما يشغل تفكيري هو كيف عرف أو كيف صنف نفسه أو كيف اعتقد أو من أخبره بأن عمره أربعون سنة، سألته سؤالا مباشرا هل قال لك والدك إن عمرك أربعون سنة أو قال لك ذلك المدرس في المدرسة علما بأن والدك عمره خمسين سنة.
كانت المفاجئة أنه قال لي اكتشفت أن عمري أربعين سنة عن طريق أحد برامج وتطبيقات قوقل التي يمكن لها أن تحدد العمر العقلي للإنسان بالإجابة على بعض الأسئلة وبعد الانتهاء من الإجابات يخبرك البرنامج عن عمرك العقلي وليس عمرك الحقيقي (الطبيعي) هنا وقفت متعجبا…
طال الحوار بيني وبين ذلك الطفل ذي العقل الأربعيني وهو يجتهد في محاولة إقناعي بعمره (القوقلي)، فقلت له يا ابني أنت تملك معلومات وإجابات لبعض أسئلة برنامج قوقل ولكنك حتما لا تملك خبرة وتجارب من هو في سن الأربعين الحياتية، فمن كان في سن الأربعين فقد بلغ أشده وأصبح راشدا، يا ابني من بلغ سن الأربعين يعني ذلك أنه أكمل دراسته وأصبح موظفا وقد تزوج وأصبح أبا وخاض عباب الحياة وعركته الدنيا معتمدا على نفسه وليس على والديه مثلك وقد عاشر الكثير من البشر وعرف الخير والشر وعاش حين من الدهر، يا ابني العمر الحقيقي للإنسان في الحياة هي تجاربه وليست معلوماته أو ذكائه، يا ابني البعض منا قد بلغ من الكبر عتيا ولكنه لا يفقه الكثير من أمور دينه ودنياه لأنه قليل تجارب وليس لديه خبرة كافية فأصبح قليل دبره
قد يرى البعض من الناس أن الكثير من البرامج والتطبيقات ما هي إلا للتسلية أو لزيادة عدد المتابعين وهذا ربما صحيح ولكن خطورتها تكمن فيما بين السطور ودقائق الأمور، فعندما يعتقد الطفل أن لديه من رجاحة العقل ما يجعله قادرًا على تخاذ القرارات دون الرجوع إلى والديه ربما يقع في المحظور وعظائم الأمور ويسلك طريق الشرور، والأدهى والأمر وما يؤلم الصدر ويقصر العمر أن تكون طفلة، من الجيد والجميل بل من الأفضل في هذا الزمن أن يفتح الوالدان أبواب النقاش والحوار وتجاذب أطراف الحديث مع أبنائهم حتى يعرف الوالدين كيف يفكر الأبناء حتى يمكن تدارك وتصحيح المسار عند انحراف البوصلة.
اسأل الله العظيم أن يحمي جميع أبناء المسلمين من شياطين الإنس وكيد الفجار والحاقدين والحاسدين…