بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، كيف لا وقد أحسن القول والفعل، ومن عاش معه وأدركه ودرس سيرته علم ذلك من خلقه وحسن تعامله وطلاوة حديثه وعذوبة منطقه. فهو قدوتنا ومنار طريقنا بأقواله وأفعاله، فهو رحيم الأمة وشفيعها.
وما نلاحظه في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية بين الرجال والنساء هو تناقضات سلوكية بين القول والفعل، تدور بين الفضيلة والرذيلة.
فالفضائل: هي السمات الأخلاقية التي تجعل الشخص فاضلًا ويقوم بأفعال طيبة ومرضية أخلاقيًا. وتنمية وممارسة الفضائل تعد أمرًا أساسيًا لتحقيق الخير والسعادة للفرد والمجتمع.
والرذائل: هي السمات الأخلاقية السلبية التي تبعد الشخص عن القيام بأفعال صالحة ومسؤولة. وممارسة الرذائل تؤدي إلى إلحاق الضرر بالفرد والمجتمع، لذلك فإن تجنب الرذائل والسعي لتنمية الفضائل هو أمر أساسي لتحقيق الحياة الأخلاقية والسعيدة.
سأستعرض هنا عددًا من السلوكيات المتناقضة في التعامل والتي تكون نقيض الفضيلة، فيفعلها البعض بقصد أو بلا قصد، ظانًا واعتقادًا أنها الصواب، وهو لا يعلم أنه قد وقع في فخ الرذيلة دون أن يشعر. فتلك السلوكيات تصبح من صفاته الخلقية وسلوكيات تعامله التي يعرف بها، بل أن البعض يراها حقًا وصوابًا ويثبت عليها، مما يتسبب في نفور من يتعامل معه والابتعاد عنه كحصانة لهم من سوء تعامله، سواء من سلوك تعامله وفضاضة الفاظه .
من تلك السلوكيات التي تدور بين الفضيلة والرذيلة وبينهما شعرة:
-الصراحة والوقاحة:
الصراحة هي القدرة على التعبير عن الأفكار والمشاعر بوضوح وشفافية بكل أدب واحترام.
الوقاحة هي التصرف والحديث بطريقة غير لائقة وفاقدة للاحترام.
- التروي والحماقة:
التروي والرؤية البعيدة المدى أفضل من الحماقة والاندفاع بدون تخطيط الذي يؤدي إلى كوارث لا تُغتفر.
- الثقة والغرور:
الثقة هي الاعتقاد بالقدرات والمهارات الشخصية.
الغرور هو الاعتقاد المفرط والمبالغ في القدرات.
- العطاء والمنّ:
العطاء هو البذل والتقديم من تلقاء النفس بدون أي مقابل ولا أذى ولا ينتظر المدح أو الجزاء.
المنّ في العطاء يكون بالقول الجارح والتذكير المستمر بالبذل، فالذي يمن على الآخرين دائمًا ما ينتظر الشكر والثناء.
- الصدق والكذب:
الصدق عنوان النزاهة وسلامة السريرة.
الكذب عنوان الغموض وسوء المنطق وضياع الحقوق.
- الصبر والتسرع:
الصبر هو القدرة على الانتظار والتحمل.
التسرع هو التصرف بسرعة مفرطة دون إعطاء الوقت المناسب والكافي للأمور في اختيار المناسب.
- الحزم والقسوة:
الحزم هو الحسم والثبات في المواقف بثقة منطقية.
القسوة هي التصرف بطريقة عنيفة وقاسية فاقدة للحكمة والتروي.
- الكرم والإسراف:
الكرم هو سخاء الشخص وتقديمه للآخرين.
الإسراف هو الإنفاق المفرط والتبذير دون حساب.
- المرونة والعناد:
المرونة هي القدرة على التكيف مع التغيرات والتعامل مع المواقف المختلفة بلباقة.
العناد هو التمسك والتشدد برأي أو موقف دون استعداد للتغيير.
- الاهتمام بالآخرين والتدخل المفرط في شؤونهم:
الاهتمام بالآخرين يكون بالتعاطف معهم ورعايتهم وحسن التعامل معهم.
التدخل المفرط في شؤونهم هو الخوض في حياتهم مما يقوض استقلاليتهم وحرياتهم.
- التعاون والعمل الجماعي والمنافسة الفردية:
التعاون والعمل الجماعي يحقق الأهداف من خلال العمل المشترك.
المنافسة الفردية تؤدي إلى تفكيك فريق العمل وتقويض الثقة والتماسك.
- التفاؤل والتشاؤم:
التفاؤل هو النظرة الإيجابية والبناءة للأمور.
التشاؤم هو النظرة السلبية والمتشائمة للمستقبل.
- الموضوعية والحيادية والتحفيز والاختيار الشخصي:
الموضوعية والحيادية هي تقييم الأداء والقرارات بناءً على المعايير المهنية.
التحفيز والاختيار الشخصي قد يؤديان إلى انعدام العدالة والمساواة.
- المثابرة والإفراط في العمل:
المثابرة هي الحيوية في تنفيذ المهام.
الاندفاع المفرط يؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرعة وأخطاء في العمل.
-التركيز على الإنتاجية والتميز والتحيز الشخصي:
التركيز على الإنتاجية هو تحقيق الأهداف والمخرجات.
التحيز الشخصي يؤدي إلى إهمال الجانب الإنساني مما يؤثر سلبًا على الروح المعنوية والرضا الوظيفي.
- رعاية الوالدين والإفراط في الحماية:
رعاية الوالدين هي توفير الدعم والاهتمام للأطفال وتحمل الالتزامات والواجبات.
الإفراط في الحماية ينتج عنه جيل اتكالي متسلط فاقد الإحساس بالمسؤولية، فلا يستطيع التطور ولا الاعتماد على الذات.
سلوكيات متضاربة بين الفضائل والرذائل تلبست نفوس البشر وأصبحت من صفاتهم وسماتهم، اقتنعوا بها واعتقدوها وأصبحوا يرونها ميزة في شخصياتهم وهي في حقيقة الأمر رذائل سيئة في سلوكياتهم، وتعاملهم يتأذى منها كل من يتعامل معهم، سواء في محيط العمل أو الأسرة أو المجتمع يرونهم سيئين الخلق والتعامل.
إن مما يعدل تلك السلوكيات ويعود بصاحبها للطريق السليم هو الاعتراف بوجودها في سلوكياته وأنها خاطئة، ولا يأتي ذلك إلا من خلال المراجعة الصحيحة لسلوكيات التعامل المبنية على النقد الذاتي بتجرد وشفافية، مما ينتج عنه تصحيح مسار وثقة في النفس تزيد من الترابط وحسن التعامل.
فالمصارحة مع النفس لا يمتلكها غير المثابرين والمتميزين الباحثين عن الفضيلة ومكارم الأخلاق، فمن يستطيع تقبل الرأي الآخر وتفهم حقيقة الموقف فهو قادر على إصلاح ذاته والتغلب على سلبياته. فهو كالمريض النفسي الذي لا يقتنع أنه بمريض، وإن أخبره الطبيب بذلك، مما يضطر إلى إجباره على العلاج لحماية الناس من تصرفاته غير المتزنة.
ولو استمر في تلك التصرفات أصابته النرجسية وأنفة التعامل وهو لا يشعر. وأعجب ما نراه أن من يصاب بتلك السلوكيات البغيضة هم من اكتسبوا مكانة علمية ومجتمعية، ناهيك عن عوام المجتمع الذين نشأوا على تلك السلوكيات أو تأثروا بشخصيات تلبست فيهم تلك الرذائل الأخلاقية.
إن مكارم الأخلاق لا تأتي طواعية إلى الأنانيين والنرجسيين، بل لا بد من السعي لها والتجرد مما يسوء الأخلاق، فإنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم.
التعليقات 1
1 pings
عبدالله بن محمد عبدالهادي بن نصرالله بخارى
16/07/2024 في 8:59 ص[3] رابط التعليق
ما شاء الله تبارك الله عزوجل أفدت واجدت