منذ نعومة أظافرنا وصغرنا ومن قبيل الدراسة نسمع من والدينا وهم ينظرون لمستقبلنا الذي اختاروه لنا دون اختيارنا وكأنهم اتفقوا عليه سلفاً في جملة خالدة في اذهانهم "ادرس واتعلم وسير دكتور او مهندس او مدرس أو ضابط" تلك المهن العلمية والعملية فاخرة الفخامة في تلك الحقبة الزمنية وفي الوقت ذاته لم يتنبهوا لمستوى ابنهم العقلي والذهني وقدراته فكانوا يلزموه بمهمه محدده ومعينة من تعليمه وكان هدف بعضهم التعليم والتفاخر في المجتمع به، ومنهم من اردوا له التعليم والفائدة حفاظاً على مستقبله العلمي والعملي تباعاً ولكن إن فشل في دراسته غضب عليه ونهر ولعل بعض الأسر اقصته من اكمال التعليم وحولته لمجالات أخرى مهنية صناعية او العسكرية او يعمل مع تجارة والده او جده أو كداد مواصلات مهن لها مكانتها واحترامها ... او حسب ما يتوفر في كل حقبة زمنية مع احترامنا لتلك المهن والمجالات الحياتية الهامه.
وما أكثر من أقصى في تلك الحقب الزمنية وحرم من نعمة التعلم والتعليم وفجأة تتغير العبارة إلى "العلم في الراس وليس في الكراس".
فإن تعلم صنعه أو أمتهانها كانت له مكانة مجتمعية يحترمها العامة في عائلته ومجتمعه كما يقول القائل "مهنة ابوك لا يغلبوك" والوظائف العلمية كطبيب او مهندس او معلم لا يقلل منها، بل ولا يستغنى عنها فجميعها من ركائز التنمية والتطور وحض ارة المجتمعات.
ولكن هناك علم موجود ولا يذكر ولا يدعم مجتمعيا ومن بعض المؤسسات الحكومية مع ان مخرجاته تكون بمثابة ركيزة التطور والتنمية المجتمعية وللأسف لم يعرف إلا مؤخراً في الأوطان العربية مع انه وجودة مطلوب والحاجة له ملحة في العديد من المجالات ففي التعليم له مكانة والاسرة والوظيفة والقضاء والجريمة ففي كل مجالات المجتمع لا بد ان يكون حاضراً علم عرف منذ قرون في المجتمعات الأوروبية وطورها حتى ازدهرت وتقدمت على الدول العربية والإسلامية بشكل ملحوظ واصبحنا متخلفين عنهم بسببه فقد تلمس متطلبات الأفراد والجماعات ودرسها وعمل على تحقيقها وعالج مشكلاتهم ووضع لها الحلول والممكنات التي تساعدهم في اجتيازها والتغلب عليها فقد اخذوا من جميع الحضارات واخذوا منها ما يناسبهم وطوروا انفسهم ومجتمعاتهم بما يلائمهم ووظفوها بما يتوافق مع أيدولوجياتهم.
إنه علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية على حد سواء والذي يقوم على دراسة المجتمع والانماط الاجتماعية التي تنتج عن التفاعل بين الأفراد والجماعات. فهو علم يغطي مجموعة واسعة من الموضوعات مثل الأسرة والعلاقات الشخصية والجريمة والانحراف والعمل، والمنظمات، والثقافة، والدين.
فلو اخذنا نظرة تاريخية لعلم الإجماع لوجدناه قد عرف في الدول الأوروبية منذ بداية القرن الثامن عشر الميلادي في الفترة من 1838م واكتمل في 1842م حيث نشأ في عام 1830م حيث كان النقطة المفصلية التي اثرت على التفكير الاجتماعي حيث ولد على يد العالم "اوغست كونت" الذي حدد مهمة هذا العلم ووظيفته لترتيب البيت الأوروبي الخارج من فوضى الثورات والتغيرات الاجتماعية فكان التركيز على بناء الإنسان متوازن ومستقر من خلال ضوابط وقواعد سلوكية معينة فقد حصل ذلك بعد اهتمام علماء الإجماع بقضايا الإنسان الاوروبي وهمومه الأمر الذي أدى إلى نشوء النظرية المفسرة للواقع الاجتماعي المعاش حالياً.
ولكن عرف علم الاجتماع لدى العرب والمسلمين عن طريق العالم ابن خلدون أبو زيد ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد الحسن بن خلدون الحضرمي الإشبيلي (732 هـ ــ 808 هـ) الموافق (1332م ــ 1409م) فقد برع في علم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد والتخطيط العمراني والتاريخ وهو صاحب كتاب "المقدمة" وهو الجزء الأول من كتابة الكبير "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر".
ويمكن التفريق بين علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية من خلال النظر إلى المناهج والأساليب المستخدمة والأهداف التي يسعى إليها كل منهما فعلم الاجتماع يركز على دراسة السلوك الاجتماعي للأفراد وعلاقات المجتمع والتفاعلات الاجتماعية والعمليات الاجتماعية بشكل عام فعلم الاجتماع يستخدم غالباً الأساليب البحثية والإحصائية في دراسته.
بينما تتركز الخدمة الاجتماعية على تقديم المساعدة المباشرة للأفراد والمجموعات وحل المشاكل الاجتماعية المحددة ويعتمد الأخصائيون في الخدمة الاجتماعية على التدريب العملي والمهارات الميدانية في التعامل مع العملاء وتقديم الدعم الاجتماعي.
فمجالات اهتمامهم ثلاثة: الأفراد والجماعات والمجتمعات فالخدمة الاجتماعية تعتبر أداة لفهم التغيرات الاجتماعية وكيف يمكن أن تؤثر على حياة الأفراد والجماعات في المجتمع والسبب في ذلك أنه يقدم حلول للمشكلات والسلوكيات فيساعد بشكل كبير في الترابط الأسري وخفض معدل الجريمة وبناء الإنسان ليكون عنصراً فاعلاً مجتمعياً.
وقد اشارت الدكتورة عبير احمد في مقالها الرائع والمبدعة فيها والذي نشر في موقع مؤسسة الفكر العربي بعنوان "علم الاجتماع عند العرب وإشكالاته" حيث اشارت إلى أن عدم نجاح علم الاجتماع عربياً "هو أن من أخذه من أبناء العرب أخذه على جانبين الأول اخذه بنظريته الغربية التي لا تدعم المجتمعات العربية المحافظة والطرف الآخر أخذه وطبقه بنظرية تأصيليه دينية ولم يحسن معالجة نظرياته بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية سلوكياً" فلم ينجح الأول بنظرياته ولا الثاني بتأصيله بسبب تعارض الأول للفطرة والثاني لسوء الاستخدام وايضاً أسباب أساسية أخرى ومن أهمها:
1. خضوع كثير من الدول العربية للاستعمار الغربي الذي لم يطورها بقد استنزاف قدراتها وثرواتها.
2. أولويات كثير من الدول العربية كان النضال للخروج من الاستعمار الغربي.
3. التركيز على العلوم الدينية والتي هي في المقام الأول مهمه واهمالها لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية.
4. تعارض بعض نظريات علم الاجتماع مثلاً في البنى الاجتماعية والدين والسلطة وغيرها مما يخالف الثوابت والأنظمة.
5. التعليم والنظام الأكاديمي لبعض الدول العربية لم يكن لديها اقسام او كليات تدعم تدريس علم الاجتماع.
فعلم الاجتماع وما له من أهمية مجتمعية حقيقة أصبح يُدرس في الجامعات إما للبنات في بعض الأوطان العربية مثل مصر الشقيقة أو للشباب لمن لا يستطع التعامل مع مواد اللغة الإنجليزية في الكليات الأخرى وكلياته المقررات به ضئيلة جداً ومنهم يدخل التخصص لأن تحصيله الثانوي لا يؤهله للدخول لكليات الطب او الهندسة.
والدور التكاملي بين علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية أن الخدمة الاجتماعية تستند على كثير من نظريات علماء الاجتماع ومتخصص علم الاجتماع يقوم بنفس مهام الإخصائي الاجتماعي حيث أنه يمتلك مجموعة من الأدوات والأساليب التي تساعده في عملية التقييم والتقويم في الحالات الإنسانية
بينما الخدمة الاجتماعية هي المهنة التي تعمل على دراسة الحالات وتقييمها ووضع الخطط العلاجية بناء على الأساليب والتكتيكات العلاجية الموجودة في هذا العلم.
فالتغيير قائم على علم ودراسة بالتعاون مع الجهات الحكومية فليس كل تغيير في المجتمع مما يمس الأفراد لا يتعين دراسة الحالة بشكل علمي دقيق فعند تطوير الدول والقيام بها يكون بإشراك العديد من الجهات والأفراد على سبيل المثال:
1 / المخططون الحضريون والمعماريون، وخبراء الاقتصاد، وخبراء النقل والمواصلات، وخبراء البيئة المستدامة، وخبراء التقنية والابتكار، ومهندسو البيئة التحتية، وخبراء السياسات العامة والأدوار الحكومية، والاجتماعيون وعلماء النفس.
وكل جهة من الجهات لها دورها الذي تقوم به ولكن لو وقفنا على دور الاجتماعيون لوجدنا دورهم مهم جداً لأنه:
1. يقوم على فهم الاحتياجات.
2. تحليل التأثيرات الاجتماعية للتطوير.
3. تشجيع المشاركة المجتمعية.
4. تقديم حلول للصراعات الاجتماعية.
5. الحفاظ على الهوية الثقافية.
6. قياس الرضى المجتمعي.
فبشكل عام يساعد علماء الاجتماع والخدمة الاجتماعية ي تحقيق تنمية حضرية وإنسانية متوازنة تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والثقافية، مما يضمن أن تكون عملية التطوير شامله ومستدامة وتحقيق رفاهية السكان.
فعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية توئما العملية التطويرية على مستوى الافراد والجماعات والمجتمعات في أي دولة.
هشام نتو
علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية قوة التغيير في المجتمع
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://shahdnow.sa/articles/284752/