نحتفي جميعًا أبناء هذا الوطن المعطاء بمناسبة غالية على قلوبنا، ألا وهي الذكرى العاشرة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - مقاليد الحكم ملكًا للمملكة العربية السعودية، حيث تولى - حفظه الله- الحكم في الثالث من ربيع الآخر 1436هـ.
وخلال تلك السنوات العشر، استطاع الملك - أيده الله- بكل قوة وعزم أن ينقل المملكة نقلة نوعية كبرى على كافة الصعدة والمجالات، وذلك من خلال ورش العمل الكبرى المنتشرة بكافة أرجاء البلاد، والتي أسفرت عن إنجازات جليلة تميزت بالشمولية والتكامل في بناء الوطن وتنميته؛ خصوصاً مع الرؤية الفذة (رؤية المملكة 2030) التي أطلقها ورعاها سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان، مما جعل المملكة رقماً مهماً بين دول العالم المتقدمة، لا سيما وأن خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- يهدف دائمًا إلى توفير الخير والرفاهية للمواطن، الذي يبادله الحب والولاء في صورة جسدت أسمى معاني التفاف الرعية حول الراعي.
وعلى صعيد ميدان الحج والعمرة وخدمة ضيوف الرحمن، أولى خادم الحرمين الشريفين المسجد الحرام فائق العناية، وجليل الاهتمام، والرعاية على جميع الأصعدة، وخصوصًا عمارة المسجد الحرام، وتوسعته؛ لاستقبال ضيوف بيت الله الحرام لتقديم أرقى، وأفضل الخدمات لقاصدي الحرمين الشريفين على مدار العام.
وقد روعي في كافة المشروعات العملاقة لتوسعة الحرم المكي في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز؛ الاتساق، والتكامل، والبناء على ما تحقق من إنجازات سابقة حتى بات الحرم أيقونة معمارية، وحضارية يُشار لها بالبنان على مستوى العالم.
وقد دشَّن خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- في ليلة 25 من شهر رمضان المبارك من عام 1436هـ، خمسة مشاريع رئيسة ضمن المشروع الشامل للتوسعة (التوسعة الثالثة)، وهي: مشروع مبنى التوسعة الرئيس- مشروع الساحات- مشروع أنفاق المشاة- مشروع محطة الخدمات المركزية للحرم- مشروع الطريق الدائري الأول.
واستهدفت هذه التوسعة أن يتسع الحرم المكي لحوالي مليوني مصلٍّ، كما اهتمت بزيادة مساحات الساحات الخارجية وتظليلها بـ250 مظلة، مع احتوائها على العدد الكافي من دورات المياه، والممرات، والأنفاق، والمرافق الأخرى المساندة، التي تعمل على انسيابية الحركة في دخول المصلين، وخروجهم.
واستمرارًا لنهجه - حفظه الله- في الاهتمام الشديد بالحرم المكي وبمكة المكرمة وبمشروعات خدمة ضيوف الرحمن، أصدر خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 17 من رمضان 1439هـ، (1 من يونيو 2018م)، الأمر الملكي رقم (أ/ ٢١٨) بإنشاء "الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة".
وهي هيئة ذات شخصية اعتبارية، مستقلة إداريًّا، وماليًّا، ترتبط تنظيميًّا بمجلس الوزراء، وتتمتع بسلطة عليا على كل الأعمال، والخدمات، والمشاريع ضمن النطاق الجغرافي لمدينة مكة المكرمة، والمشاعر المقدسة، وتهدف إلى الارتقاء بالأعمال، والخدمات المقدمة؛ لتحقيق الازدهار، والتنمية المستدامة بما يتناسب مع مكانة مكة المكرمة، وقدسيتها.
وحرصًا من الملك سلمان بن عبد العزيز على أن تقوم الهيئة بدورها على أكمل وجه، جاءت رئاسة سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان لمجلس إدارة الهيئة، والتي تضم كوكبةً من المسؤولين الكبار.
وفي 11 من ربيع الآخر 1440هـ، (20 من ديسمبر 2018م)، أُصدرت الترتيبات التنظيمية للهيئة، وذلك بموجب الأمر الملكي رقم (أ/ ١٢٤).
أما في 29 من رمضان 1440هـ (3 من يونيو 2019م)، فتمت الموافقة على "التوجه الاستراتيجي" لمدينة مكة المكرمة، وتأسيس شركة مملوكة للهيئة الملكية تُعنى بتنمية، وتطوير المشاعر المقدسة.
وفي 19 من ربيع الآخر 1441هـ، (16 من ديسمبر 2019م)، فقد تمت الموافقة على:- البرامج الاستراتيجية لمدينة مكة المكرمة، والمشاعر المقدسة، والمتضمنة آلية حوكمتها، وأدوار الهيئة الملكية فيها.
- إنشاء مركز الإدارة الشاملة لمدينة مكة المكرمة، والمشاعر المقدسة باعتباره مركزًا موحدًا للإشراف على تنفيذ البرامج الاستراتيجية.
وفي 3 من ذي القعدة 1441هـ، (24 من يونيو 2020م)، تم إطلاق غاية الهيئة الملكية، ورسالتها بالتماشي مع التوجه الاستراتيجي، حيث تشير "الغاية" إلى "تحقيق الازدهار، والتنمية المستدامة في مكة المكرمة بما يتناسب مع مكانتها"، بينما تشير "الرسالة" إلى "بناء إدارة محلية شاملة، وفعّالة تشرف على الجهات العاملة في نطاق الهيئة الجغرافي؛ لتمكينها من أداء دورها بكفاءة".
وفي 10 من صفر 1442هـ، (27 من سبتمبر 2020م)، تم إطلاق أعمال مركز الإدارة الشاملة، وتبعها في 4 من جمادى الآخرة 1442هـ، (17 من يناير 2021م)، إطلاق شركة كدانة للتنمية والتطوير، وهي الشركة المسؤولة عن تنمية، وتطوير منطقة المشاعر المقدسة (منى- عرفات- مزدلفة)، وحماها، ومقرّها في مشعر منى، وهي الذراع التنفيذية للهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة، والمشاعر المقدسة في نطاقها الجغرافي.
وقبيل بداية موسم حج 1444هـ، استكملت شركة "كدانة للتنمية والتطوير".. المطور الرئيسي للمشاعر المقدسة، تنفيذ نحو 10 من المشاريع التطويرية، وذلك بالتنسيق، والتكامل مع الجهات الحكومية ذات العلاقة ضمن جهود "كدانة" الرامية؛ لتحسين جودة الأعمال، وضمان تقديم خدمات مميزة تقدم لضيوف الرحمن كهدف استراتيجي لـ"الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة".
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يعد مشروع تطوير وتحسين جبل الرحمة والمنطقة المحيطة به أحد أهم المشاريع التطويرية التي نفذتها "كدانة" بهدف معالجة التشوه البصري بمنطقة جبل الرحمة، والمنطقة المحيطة به، ورفع كفاءة جودة التشغيل، مع الارتقاء بالخدمات، والمرافق لتجويد الخدمة المقدمة لمرتادي المنطقة المحيطة بجبل الرحمة.
ويحتوي المشروع على حزمة من الخدمات التي سترتقي بالمكان، وتجعله أكثر رحلة، إذ تبلغ مساحة المشروع 200 ألف متر مربع، كما سيوفر المشروع مناطق خضراء، وجلسات مظللة، وكراسي للجلوس حول ساحات الجبل، بالإضافة إلى توفير نقاط للبيع.
وقد دشن خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- من بيت الله الحرام يوم 23 من رمضان عام 1440هـ، (28 من مايو 2019م)، "برنامج خدمة ضيوف الرحمن"، بحضور سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث تسلم المليك- أيده الله- وثيقة البرنامج التي شارك في إعدادها أكثر من 30 جهةً حكوميةً بهدف إحداث نقلة نوعية جديدة في خدمة ضيوف الرحمن، وتوفير الخدمات التي تعينهم على أداء المناسك بكل يسر، وسهولة، من خلال تحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية.
وبهذه المناسبة، قال خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله-: "أكبر خدمة أن يأتي الحاج، والمعتمر آمنًا مطمئنًا، الأمن من أهم الأشياء من أقصاها إلى أقصاها، ولله الحمد، وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا شكر نعمته، والحمد لله على ما نحن فيه، وأسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما أنعم علينا، ونحن جميعًا من بلاد الحرمين، وكلنا نخدم الحرمين".
وتتمحور أهداف برنامج خدمة ضيوف الرحمن في ثلاثة أهداف استراتيجية، وهي كما يلي:
- الهدف الأول: تيسير استضافة المزيد من المعتمرين للقدوم إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة، والعمل على تسهيل إجراءات القدوم، وتيسير طرق، وخيارات الوصول؛ ليتمكن أكثر من 30 مليون مسلم من أداء العمرة في راحة، وطمأنينة، وأمن، وسلام دون الحاجة للدخول في إجراءاتٍ رسميةٍ معقدةٍ للحصول على التأشيرات المطلوبة.
- الهدف الثاني: تقديم خدمات ذات جودة عالية للحجاج، والمعتمرين، سواءً تلك التي تقدمها الجهات الحكومية، أو القطاع الخاص، أو القطاع غير الربحي؛ ليعكس التزام المملكة التاريخي، والأصيل بخدمة ضيوف الرحمن حجاجًا، ومعتمرين على أكمل وجه من خلال تجربة متكاملة تحقق رضا ضيوف الرحمن باختلاف فئاتهم، واحتياجاتهم. ويتمحور نطاق هذا الهدف بالعمل على رفع مستوى الخدمات المقدمة، ومعاييرها، ومراقبة التحسن فيها، وتحسين جميع الإجراءات بما يضمن سلاستها، وسهولتها؛ لتواكب، بل تفوق تطلعات ضيوف الرحمن، ورغباتهم انطلاقًا من بلدانهم، وحتى مغادرة المملكة، وعودتهم إلى أوطانهم.
- الهدف الثالث: إثراء التجربة الدينية، والثقافية للحجاج، والمعتمرين، وذلك بخلق تجربة روحانية ثرية لضيوف الرحمن بمختلف فئاتهم، فالمملكة تزخر بتاريخ إسلامي عريق يتطلع المسلمون من أنحاء العالم؛ لزيارته والتعرف إليه. ويتمحور نطاق هذا الهدف حول إزالة أية عقبات تواجه قيام ضيوف الرحمن بزيارة المواقع التاريخية الإسلامية، والثقافية في منطقتي مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والعمل على تأهيل، وتطوير تلك المواقع التاريخية، من مساجد، وآثار، ومواقع أحداث تاريخية، وتعريف ضيوف الرحمن بالتراث المحلي لمكة المكرمة، والمدينة المنورة، وكافة مناطق المملكة من خلال إقامة الفعاليات الثقافية التي يشارك فيها ضيوف الرحمن.
وتجدر الإشارة إلى أن برنامج خدمة ضيوف الرحمن قد أطلق منذ بدايته أكثر من 130 مبادرة اعتمد لها ميزانيات تزيد عن 100 مليار ريال، شارك في تنفيذها أكثر من 32 جهة حكومية، وعشرات الجهات من القطاع الخاص لخدمة ضيوف الرحمن، وتهيئة، وتوسعة الحرمين الشريفين، والعناية بهما، وتهيئة المشاعر المقدسة (عرفات- مزدلفة- منى)؛ لاستيعاب جميع الحجاج المؤدين لمناسك الحج، وتوفير البنية التحتية، والمرافق، والخدمات بكافة أشكالها، وتوظيف التقنية في خدمة ضيوف الرحمن.
وقد أنجز البرنامج عدداً من المبادرات المهمة التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
- مبادرة إصدار التأشيرات الإلكترونية الفورية للحجاج، والمعتمرين.
- مبادرة طريق مكة.
- مبادرة وثيقة التأمين الشامل على ضيوف الرحمن.
- مبادرة حصر المواقع التاريخية.
- إطلاق منصة التدريب عن بعد.
- إطلاق برنامج "كن عونًا"ش.
- مبادرة حوكمة وتأطير قطاع خدمة ضيوف الرحمن.
- إطلاق "بوابة الحج والعمرة".
وتجدر الإشارة إلى أنه مع انطلاق برنامج خدمة ضيوف الرحمن، انطلقت الأفكار والمشاريع في مجال خدمة ضيوف الرحمن وصناعة الضيافة، ومن ثم تم تحديد رؤية وفجر جديد لوزارة الحج والعمرة بمفهوم مواكب لـ"رؤية المملكة 2030"، وتحويلها من نقطة تقليدية بحتة إلى وزارة معاصرة تعكف على تجويد، وتحسين خدمات الحج، والعمرة، وما يتعلق بهما.
وفي غمار ذلك، تم العمل على تحول "مؤسسات الطوافة" إلى شركات مساهمة مغلقة، ومن ثم انفتاح وتداول هذه الشركات في سوق الأسهم؛ لتكون شركات متحررة محوكمة في سوق التداول العام.
إن الإنجازات التي تحققت في ميدان خدمة ضيوف الرحمن وصناعة الضيافة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - أيده الله-، ليصعب رصدها في مقال واحد بل تحتاج - بدون مبالغة- إلى كتب.. جزى الله - تعالى- خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء لما قدمه لضيوف الرحمن من أفضل وأرقى الخدمات، وجعله في ميزان حسناته، إنه - تعالى- نعم المولى ونعم النصير.
وأخيراً.. نتقدم باسمى آيات التهاني والتبريكات لمقام خادم الحرمين الشريفين، وليمو ولي عهده الأمين، وللشعب السعودي النبيل بمناسبة الذكرى العاشرة لبيعة المليك، وكل عام وبلادنا الحبيبة بألف خير وسعادة ورفاه.
ــــــــــــــــــ
*عضو مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية