يخضع تكوين العادات الاجتماعيه غالباً للتصور الذي يهيمن على أذهان أفراد المجتمع، فكلما كان الفرد يملك تصوراً راقياً عن الحياة والكون والإنسان، وعن الغاية من وجوده في الحياة، كانت عاداته حسنة راقية، وكلما كان تصوره عن الحياة والكون والإنسان هابطاً تافهاً كانت عاداته كذلك سيئة تافهة.
ويُرجع علماء الاجتماع انتشار العادات السيئة في بعض المجتمعات إلى الفراغ الروحي الذي يعانيه الإنسان بعد أن تخطفته الحياة المادية بفلسفتها وتكنولوجياتها ومنجزاتها الباهرة، وجعلت حاجاته الجسدية غالبة على حاجاته الروحية. وما نشهده اليوم في حياتنا من تطور تكنولوجي هائل، وانفتاح إلكتروني مذهل، وانتشار واسع لمواقع التواصل الاجتماعي، كل ذلك قد أدّى إلى تفشي الكثير من العادات السيئة والآفات الاجتماعية؛ لعل من أخطرها -على سبيل المثال لا الحصر- آفة التقليد وتبعية المشاهير.
فلقد أقبل الكثير من الناس على تقليد مشاهير هذا الزمان إقبالاً عجيباً، وأخذوا يقلدونهم التقليد الأعمى، ويرون فيهم القدوة والمثل الأعلى؛ بل جعلوا ذلك علامة التطور والذوق والرقي والسخاء، وأصبحت مظاهر الاستهلاك والتقليد في حياة بعض الناس أكثر من أن تحصى!، ومثل هذا التقليد الأعمى، وهذه التبعية الفارغة ستنتج لنا -بلا شك- شخصيات اجتماعية معدومة الثقة ضعيفة الرأي فارغة العقول.
والحقيقة أن الذنب في ذلك كله يقع على عاتق هؤلاء المشاهير، أو ربما على الكثير منهم؛ لأنهم يقومون بدور خطير يتمثل في نشر الثقافة الاستهلاكية وتعميمها وتكريسها، وهي ثقافة غربية دخيلة على ثقافتنا، حتى أصبح المتابعون والمقلدون لهؤلاء المشاهير يدورون في الفضاء المادي الاستهلاكي، وهذا ما يمكن أن نسميه بـ (الترشيد السلبي) وهو الترشيد الذي ينمّط أفراد المجتمع ويحدد لهم كل شيء، ولا يترك لهم رأياً ولا اختياراً ولا استقلالية ولا أحلاماً خاصة، وهذا الدور الخطير وهذا الترشيد السلبي - مع الأسف الشديد - جناية يرتكبها مشاهير زماننا في حق مجتمعاتهم دون أدنى شعور بأنه يجب على كل واحد منهم أن يحمل على عاتقه المسؤولية الكبيرة فيما ينشر وفيما يقدم، فإن الحياة الإنسانية ليست مجرد مكاسب مالية، ولا منافع مادية فحسب، بل هي -قبل ذلك كله- قيم نبيلة، ومواقف أخلاقية، ومبادئ سامية، ومن لا ينطلق من قيم دينية تحكمه، أو خُلقية تسمو به، سيبحث عادةً عن مصلحته الذاتية، وعن ماديته المتجردة عن أي ثابت وعن أي قيمة، والأصل في الإنسان المسلم أن يستشعر دائما مسؤوليته الاجتماعية والوطنية لكي يكون في مجتمعه وطنه عامل بناء وتطوير وتقدم، لا عامل هدم وتعويق وتخلف.
ـــــــــــــــــ
للتواصل :
aboyazyd1@hotmail.com