تستثيرني أحاديث الشباب في أمنياتهم وأحلامهم التي ينتظرونها من "سعيدة الحظّ" التي يترقبها قلب كل شاب، وأتذكر حينها أيام كنت أفكِّر في الخِطبة، وقلبي يرفرف لصفات كنت حينها أظن أنها صفات كلِّ أنثى! وأن الجمال الذي أقرؤه في صفحات الأدب وتهيج به مشاعر الأدباء هو واقعي! كنت أسعى لصورة مثالية تتحقق في زوجة المستقبل التي تتحلى بصفات كنت أعلم أن كثيرًا منها لا يتحقق في شخصي الكريم! لكن للإنسان حريته في أن يحلم ويتمنى ويؤمّل نفسه، وكأني أنا مَن يبعث بتلك الانتظارات والصفات لأبي عزيزة ليختار لي زوجة على حدود مواصفاتي المتواضعة:
بعثَ امــرؤٌ لأبي عــزيــــزة مـــرةً ... برسالةٍ يُبكي ويُضحك ما بها !
فيها يقول: أُريد منكَ حليلةً ... شقـراءَ معروف لديكم أصلها
وأديبـــة، ولطيفــة، وعـــفيفـــة ... وحليمـــــة ورزينــــة في عــقلهـــــا
وتكون أيضًا ذات مال وافرٍ ... تُعطيهِ من بعد الزَّواجِ لبعلها
ﻭﺃﺭﻳﺪُ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥَ ﻣﻄﻴﻌﺔً ... ﺃﻣﺮﻱ ﻓﺘﺘﺒﻌُﻨﻲ، ﻭﺗﻨﺴﻰ ﺃﻫﻠَﻬﺎ
فما كان منه أن أجاب:
ﻭﺍﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻚ ﺳﻴﺪﻱ ﻓﻘﺮﺃﺗُﻪ ... ﻭﻋﺮﻓﺖُ ﻫﺎﺗﻴﻚَ ﺍﻟﻤﻄﺎلب كلها
ﻟﻮْ ﻛﻨﺖُ ﺃﺣﻈﻰ بالتي ﻗﺪ رُمتها ... طلَّقتُ أمَّ عزيزةٍ وأخذتها !!
وأتذكُّر زميلاً كان ذا همَّة عالية، وخيال جامح، وكان يبحث ويدقق ويحاول الوصول لامرأة فريدة، وكنت بين الفينة والأخرى أسأله: وين وصلت في البحث؟ فكل مرة يتحدث عن تجربةٍ يودُّ خوضها والبدء بالخطبة وما بعدها فيقنعني جدًا بأنه اختيار صحيح، ثم ما يلبث أن ينهي الحديث بخاتمة حزينة تُلغي جمال ما بدأه، فمما أذكره أنَّه أتاني مرة مستبشرًا: أبشرك وجدتها! من أسرة معروفة (في الدِّيرة) وعلى قدر من الجمال والتعليم، والدتي تعرف بعض أهلها وتثني عليهم، وسأتقدَّم لهم.. وبعد أيام أراه مهمومًا يقول: ما نفعوا! طلعت تريد إكمال الدراسة وأيضًا أطول مني! أنا أريدها معي في المدينة وتوقف دراسة... قاطعته: والطول ما مشكلته طالما معدنها طيب، قال: لااااا يا حبيبي البنات كثير وسأجد من تناسب! وتمضي السنوات والأحاديث، وبعد أن دخل عدة بيوت خاطبًا ثم رافضًا، ثم أصبح هو مَن يُرفَض، أجده يخفف من اشتراطاته –خاصة ما يتعلق بالشَّكل- وفي مرة قال لي: يا أبا عادل.. باختصار: أريد أنثى فقط!! هذه كل طلباتي!!
إن الانفتاح غير الواعي لدى الشباب والفتيات في زمن (السوشيال ميديا) والتأثر بأحاديث المشاهير، والتقليد الأعمى، أحدث تشوهًا كبيرًا في فهم العلاقة أولاً بين الجنسين، ثم دور كل طرف في حياته الزوجية، وصولاً لضبابية الحقوق والواجبات بين الزوجين التي تجعل بعض ما هو ثابت متقرر شرعًا وعقلاً بمثابة المتغيِّر الذي يحتمل قولان! فضاعت كثير من المعايير العليا، ومن ثمَّ أضحى كثير منهم لا يُحسن اختيار من يناسبه، أو لا يستطيع توقُّع مستقبل ما هو مقدم عليه في ظل المعطيات والظروف والصفات التي ظهرت له فيمن يود أن يكون شريك حياته، ومن ثمَّ فقد يجد المناسب له لكن لا يتخذ القرار، أو يتعجَّل بالارتباط بمن لا تناسبه!.
وخلال حواراتي مع الأزواج المستقرِّين في حياتهم، الناجحين في علاقتهم الاجتماعيَّة، وجدت عدة صفات مشتركة، يمكن أن تكون –كلّها أو أغلبها- منارات تدلُّك على أنَّك في الاتجاه الصحيح في خطوتك نحو الزواج، ومنها:
1) كن واثقًا أنَّ صلاحَك في نفسك، وطيب معدنك سيجعلك –بعد توفيق الله- تسكُن لمن يماثلك، ولا تنتظر أن تقترن بالصَّالح وأنت موقن بفساد حالك! وقد حدَّثني أكثر من شخص أثق به أنه بعد سنوات من الزواج، والدخول في تفاصيل الحياة، رأى أنه تزوَّج مَن تماثله دينًا وخُلقًا! وكأنك –أيها الكريم- ترى أن بعض الصَّالحين أو الصَّالحات ابتُلوا بمن لا يُشاكلهم، فأقول: قد يقع ذلك بالفعل، لكن عليك ألا تحكم بالمظاهر! فكلٌ منَّا لا يُعرف تمام المعرفة إلا داخل بيته، ومع شريك حياته!.
2) كلما بحثت في دائرةٍ قريبة منك في النشأة، والحياة الاجتماعيَّة والطِّباع، كان ذلك أحرى لنجاح الزواج، فالتَّفاهُم عِماد العلاقات النَّاجحة.
3) الأهميَّة القصوى لاستقرار البيت الذي نشأ فيه ذلك الزَّوج أو الزَّوجة، وأعني بالاستقرار: الحصول على الحد الأدنى من التَّواصل بين أفراده، وعدم وقوع العنف بين الوالدين، أو المشاكل بصورة مستمرة على مرأى ومسمع الأبناء، فهذا الاستقرار يساعد في بناء صورة إيجابية تجاه شريك الحياة، وكذلك سيكون دافعًا ومحفزًا على إنجاح الأبناء في حياتهم الزوجيَّة.
4) الاقتصار على الشُّروط التي يراها الشخص ضروريَّة في شريكه، فليس من المنطق أن تبحث عن امرأة جمعت كلَّ شيء، أو جمعت الشَّيء ونقيضه، فلكل شخص منَّا متطلبات أساسيَّة يسعى لوجودها فيمن يشاركه، وما عدا ذلك يمكن أن يتغاضى عنه.
وقبل هذا وبعده لا تفتر عن دعاء الله وطلب العون منه وحده، فهو –سبحانه- إذا قدَّر لك أمرًا وصلك بأسباب تتعجَّب منها!.
"ربَّنا هَب لنَا مِن أزواجِنا وذُرِّياتنا قُرَّة أعيُنٍ واجعلنا للمتَّقين إمامًا".
ــــــــــــــــــ
*باحث، وناشط اجتماعي