الفتوى الشرعية هي إجابة تصدر من عالم مؤهل في الشريعة الإسلامية يُطلق عليه لقب "مفتي"؛ بشأن واقع حال السائل.
فالفتوى تُقدَّم مستندة من النصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية والإجماع والقياس، وهذه الأصول المتفق عليها عند الأصوليين.
وقد تكون الفتوى في قضايا نازلة تحتاج إلى توضيح. وهنا الاجتهاد يكون قائم على ضوء قواعد وأصول معتمدة عند أهل العلم يحقق فيها العمل بالأدلة، ومراعاة تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وليس اجتهادا يختار فيه المجتهد ما يريده أو ما يرغبه الناس.
وتختلف الفتوى، عن الأحكام القضائية؛ حيث إنها غير ملزمة التنفيذ، بمعنى أن المفتي لا يملك سلطة تنفيذية، بخلاف القاضي، فإن ولي الأمر منحه سلطة تنفيذية، يستطيع بها أن ينفذ ما حكم به.
ومما يؤثر في حفظ المقاصد الشرعية؛ حماية حقوق الأفراد والمجتمعات دقة الفتوى الشرعية التي تصدر من مصادرها الشرعية ورجالها المختصين والمزودون بالعلم الشرعي والدراية الاستنباطية للأحكام الشرعية.
فتعتبر الفتوى من الأدوات الشرعية المهمة التي تهدف إلى حماية حقوق الأفراد والمجتمعات؛ فيتعدى دورها عن مجرد الإجابة على الأسئلة الشرعية، إلى أن تصبح أداة فاعلة في توحيد الأمة نحو تحقيق العدالة وحفظ القيم الأساسية التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية.
ويراعي المفتي في فتواه حفظ الضروريات الخمس، وهي: حفظ الدين، والنفس والعقل العرض والمال، فهي مرتبطة بحياة الإنسان ولا تنفك عنه ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا وفي التعامل مع الكتابيين والكفار.
فمن مقاصد الفتوى:
- انها تهدف بشكل مباشر الى توحيد المسلمين الى مصدر موثوق ومعتبر في أمور دينهم.
- وأيضا أنها تحفظهم وتجنبهم الوقوع في الشبهات والفتن.
- وتسهم في حفظ النفس من خلال توضيح الأحكام الشرعية المتعلقة بالجرائم والاعتداءات على النفس البشرية.
- وتلعب الفتوى دورًا حيويًا في حماية العقل من التأثيرات السلبية عبر بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالمحرمات مثل المخدرات والمسكرات.
- وكما تساهم الفتوى في حفظ النسل من خلال توضيح الأحكام المتعلقة بالزواج والطلاق والتربية وما يترتب عليها من حقوق وواجبات.
- وأيضًا تحذر الفتوى من التعاملات الربوية ببيان الحكم الشرعي في معاملات البيع والشراء، مما يسهم في حفظ المال من خلال تحديد الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملات المالية والاقتصادية.
إن أمر الفتوى ليس بالأمر الهين، فقد ذكر عن السلف الصالح أنهم كانوا لا يتسرعون في إصدار الفتاوى، بل إن بعضهم كان لا يجيب ويوجه السائل لشخص آخر ويستمر الآخر في الاعتذار حتى يصل إلى أول من سئل فيجيبه وقد يعتذ لعظم المسألة المسؤول عنها.
وقد أثر عن الإمام مالك أنه سئل في أربعين مسألة فأجاب عن بعضها، وقال في بقيتها: لا أدري.
إن اختيار العالم المؤهل في الفتوى أمر مهم، والوصول إليهم سهل ومتاح. فأمر الفتوى ليس بالسهل لمن اتقى الله فيها.
ومما يلاحظ في الآونة الأخيرة انتشار فوضى الإفتاء في المجتمعات الإسلامية والعربية وتصدر للفتوى غير المؤهلين التأهيل العلمي والشرعي، وغير مخولين لها، واصبحت تستغل لأغراض جماعات وأحزاب سياسية مؤدلجة في المجتمعات الإسلامية والعربية الاسلامية، وتسببت فتاواهم في هتك الأعراض وضياع الدين، وهدر الأنفس، وشتات العقل وسلب المال.
فتاواهم تلبس الثوب الشرعي وليست منه في شيء، مما أدى إلى تكالب الأعداء على المسلمين في الدول العربية والإسلامية، وانتشار الفوضى والاضطرابات فجعلوها ذريعة للتدخل في شؤون الأوطان العربية والإسلامية، مما أدى إلى ضياع أراضيها على أيدي أبنائها ممن اغتروا بمديح الأعداء وزخرفة الباطل ليأخذ صورة الحق المبين.
كما تجاوز الأمر موضوع الفتوى إلى التشكيك بمصداقية المفتين الثقات والهجوم على المؤسسات الدينية المتخصصة لإصدار الفتاوى وبل والتشكيك بعلمائها الأجلاء الذين كانت فتاواهم تسبق زمانهم بمراحل والمنبثقة من الكتاب وصحيح السنة واجتماعات اهل العلم الاجلاء، واتهِموا بالعمالة والمتاجرة بالدين لتحقيق مصالحهم والتاريخ يشهد بذلك، فهؤلاء العلماء يعرفون بما آتاهم الله من العلم الفتنة قبل وقوعها، بينما يرى الآخرون الفتنة بعد وقوعها، وقد يكونون هم سبب وقوعها.
فالفتوى أداة قوية مؤثرة في حفظ المقاصد الشرعية، فهي لا تكتفي بتقديم الأحكام الشرعية، بل تعمل على توحيد المجتمع وتحديد اتجاهه نحو تحقيق الأهداف العليا التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها.
من خلال ذلك، يتمكن المسلمون من مواجهة تحديات العصر بطريقة تتوافق مع القيم الإسلامية، مما يسهم في بناء مجتمع مستقر وآمن يقدس ويحترم الشرع فيحقق له العدل.
ولقد هيأ الأعداء المنابر والوسائل الداعمة لنشر تلك الفتاوى المضللة والمؤيدة لمؤامراتهم الخبيثة، فأسهموا في نشرها بطرق غير مباشرة في منازل المسلمين عبر وسائل الاعلام المنتشرة حديثاً، وأبعدوهم عن كبار العلماء وقربوا منهم أصحاب الأقاويل البراقة الفارغين علمياً، والناقصين نضجاً علمياً، وورعاً من الجرأة على الفتوى في نوازل العصر؛ فتصدر للفتوى غير المتخصصين فيها من مجالات أخرى كالاقتصاد والفلك والطب، وهؤلاء المتسلقين سلم الإفتاء لم يقدموا شيئا جديدًا يذكر سوى تكرار معلومات بعد توظيفها لمصالحهم والتي قد افتى بها المفتون الصادقون وزادوا عليهم أمور كثيرة لا يحسنونها، وللأسف قد أصبحوا مؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فالتنبيه على خطورة هذا الامر على مجتمعاتنا الإسلامية لا بد منه.
ومما يفتخر به ويذكر ويصدع بشكره لحكومة المملكة العربية السعودية أنها أنشأت مؤسسة دينية مختصة لإصدار الفتاوى الشرعية، وهي الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء ومنها هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء. وقد انتخبت لها نخبة عطرة من رجال الدين المخلصين والمختصين تسلحوا بالعلم الصحيح القائم على فهم الكتاب والسنة على ضوء ما كان عليه السلف الصالح، نحسبهم كذلك والله حسيبهم. كما أنشأت الرئاسة فروعًا لمكاتب الإفتاء في مناطق المملكة لتسهيل الحصول على الفتوى، واختارت مفوضي إفتاء، وأعضاء موثوقين في علمهم وسلامة منهجهم لإنارة الطريق لعامة الناس بما يحفظ دينهم وأنفسهم وسلامة عقولهم وحماية نسلهم وأعراضهم وأموالهم، وذلك بإصدار فتاوى شرعية دقيقة وصحيحة مستندة إلى العلم الشرعي، تؤدي دورها في إرشاد الناس وتوعيتهم وتوجيههم للطريق الصحيح بما يحفظ المقاصد الشرعية ويحقق مصالحهم في الدنيا والآخرة.
وحرص سماحة مفتي عام المملكة أن يتم ضبط وقائع الطلاق، بحضور الزوجين، وأخذ إجابتهم على أسئلة معينة من جهته، لينظر فيها، ويبني عليها الحكم بوقوع الطلاق أو عدمه؛ وذلك توحيدا للفتوى في هذا الموضوع الخطير، في جميع مناطق المملكة العربية السعودية.
فلابد ان يكون السائل حريصا على أخذ الفتوى، من المفتين المعتمدين، امتثالا لتوجيهات ولاة الأمر، فتنظروا عمن تأخذون دينكم.