إنَّ العَصر الحَديث الَّذِي نَعيشهُ قَد أصَبحتْ فِيه مُتغيرات كَثيرة، ونُقلة هَائلة في جَميع المجالات وعَلى مُختلفِ الأصعِدة، ولَعل مَجال التَّعلِيم مِنْ أهم تِلْكَ المجالات الَّتِي طَالتها تِلك التَّغيرات في طَريقتِها ونُظمِها وقَوانِينها، فالتَّحول الحَاصل اليوم في العَملِية التَّعلِيمية أدَى إلى أنْ يتَحول الاهتمَام مِن كَيفية البَحث فيمَا يتعلمهُ الطُّلاب إلى البَحث عن الكيفية الَّتِي يتعلم بها الطُّلاب، ومن هَنا أصبحَ التَّعلِيم بحاجَة إلى الطرائق الحَديثة الَّتِي تُواكب تِلْكَ المتغيرات، ولن يُحقق التَّعلِيم جَودته وأهدَافه الَّتِي يَسعى إليها، إلا إذا وُجد المُعَلِم المَاهر الجيد في أدَائِه والمهتمُ بتَطويرِه وتحسُينه يومًا بَعد يَوم، ولِذا سَعت الكَثير مِن المؤسسَات التَّربَوية والتَّعلِيمية، وكذَلِكَ المهتمين بالتَّربِيَة والتَّعلِيم في مختلف أنحاء العَالم، إلى الاهتمَام بالمُعَلِم، والعملُ وعَلى تطوير أدائهِ باستمرَار لموَاكبة التَّغيرات العَالمية المتلاحقة الَّتِي يتأثر بها التَّعلِيم، وبالتَّالي تقدُم المجتَمَع ونُموه وازدهاره، ولِذا اهتمت تِلك المؤسسَات بِعدة مَعَايير لجَودَة أدَاء المُعَلِم ليكون مُنتجًا جيدًا ومُشاركًا فاعَلاً في هَذِهِ الجَودَة، وكذَلِكَ بالمخرج التَّعلِيمي ومَدَى تحقُق الفَائدة للمتعلمِين.
وحَيثُ إنْ استراتيجية التَّعلم التَّعَاوني تُعد احدى طرائق التَدرِيس الحديثة في الوطن العربي، والَّتِي يمكن تطبيقها لِتفادي مُشكلة تَدني التَّحصِيل الدِّرَاسي بعد أن أثبتتَ نجَاحهَا في الغَرب مُنذ القَرن الثَامن عَشر، ومَع ذلك، لم يَتم تَنفيذهُ بِشكلِ فَعال حَتى عَام 1937م عِندمَا وَجد بَعض البَاحثِين أنَّ الأشخَاص الَّذين يتَعاونُون ويعمَلونَ معًا لتَحقِيق الأهدَاف المشتركَة، كَانوا أكثر نَجاحًا من أولئك الذين يسَعون بِشكلٍ مُستقِل لاستكمَال الأهدَاف نفسهَا.
وبعد أنْ أثبتتَ مَعَظم الأبحاث والدِّرَاسَات المختَلفة أثرُهَا الفَعَال في تَنمية مَهَارَات التَّفكِير بِشكلٍ عَام ورفع مُستَوى التَّحصِيل الدِّرَاسي بِشكلٍ خاص في مُختلف المراحَل الدِّرَاسية، بَدأ الاهتمَام بِه شيئًا فشيئًا في العُقود المَاضية، للمسَاهمة في تَطبِيق المفَاهِيَم في الحيَاة العَملية والعِلمِية، ولأن الإسَلام دَعَا إلى مَبدأ التَّعَاون في جَميع مجَالات الحَياة، فَلا بُد أن يكون للتَعلِيم مِنهَا نَصِيب.