بينما يدور الحديث في جلسة سمر ويحلو بذكر النِّساء إذ بأحدهم يتفوَّه ضاحكًا: المرأة كالحذاء يستطيع الرجل منَّا أن يُغيِّر ويبدِّل حتى يجد ما يناسبه! ثم تعالت ضحكته.. لكنَّ أحد النُّجباء في زاوية المجلس أردف قائلاً: نعم، ما قاله الأخ صحيح؛ فالمرأة كالحذاء في نظر من يرى نفسَه قَدَمًا، وهي كالتَّاج في نظر من يرى نفسه رأسًا! فلا تلوموا المتحدِّث بل اعرفوا كيف ينظر إلى نفسه!
إنَّ بعض الرجال –إن صحَّ أن نُطلق عليهم اسم الرِّجال!- ما يزال يرى النِّساء دُونًا، ويرى زوجته شيئًا من ممتلكاته التي لا تعدو أن تُلبِّي احتياجاته فحسب! فهو يَأنَف أن يذكرها بخيرٍ أو يستشيرها، أو ينسب لها الفضل فيما تستحقه.. ثم ينسى أنه ابن لأمٍّ عظيمة، وأخٍ لأختٍ كريمة، ولديه من نساء العائلة من هُنَّ أفضل منه خُلقًا وقَدرًا!
لقد كان خير البشر نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم- مضرب المثل في حُسن التعامل مع المرأة: زوجةً، وقريبةً؛ بل وأَمَةً مملوكة تطلبه في حاجة يلبيها أو سؤالٍ يجيب عنه، وكان يحفظ وُدَّ نسائه في حضورهنّ ومغيبهنّ بل بعد موتهنّ، وعُد إلى سيرته النيِّرة سترى عجبًا عُجابًا.. وابحث عن صويحبات خديجة –رضي الله عنها- وقريباتها، وابحث عن وفائه الذي لم يسطِّر التاريخ له مثيلًا، ثم اقلب صفحات مشوراته -صلى الله عليه وسلم- لتجد أنَّ لزوجاته الكريمات أمهات المؤمنين –رضي الله عنهن- نصيبًا عظيمًا في ذلك، وراجع –إن شئت- قصة حادثة الإفك، وقصة استشارته -صلى الله عليه وسلم-أمَّ سلمة –رضي الله عنها- في قصَّة صُلح الحديبية وعمله باستشارتها.
إنَّ من أكثر المفاهيم التي ظُلمت بين الرجل والمرأة مفهوم الأفضليَّة بين الجنسين، مما دعا بعض نسويَّات العصر إلى إطلاق فكرة المساواة المطلقة، ومعادلة المرأة للرجل في كل شؤونه! بحيث تعاملوا مع أفراد كل جنس منهما على أنه مماثل للآخر، في تناسٍ تام لتاريخ الوجود الإنساني والـخَلْق الرَّبانيّ، فإنه -سبحانه- حين خلقهما مختلفين في الشَّكل والبنية كانا كذلك مختلفين في وظيفة كل منهما ودوره في إعمار الأرض وبنائها، ومتى اختلَّ ذلك الدَّور فسدت الحياة وأصبح كُلّ فردٍ ينظر للجنس الآخر على أنَّه عالة ومصدر للقلق بعد أن كان خَلْقُه رحمةً مطلقة وسبيلاً لحياة ملؤها الطمأنينة والسعادة والوئام!
إن الأفضليَّة في الرجال جاءت مرتبطة في جنس الرجال لا في أفرادهم، بمعنى أن الرجال مقدمون خِلقَةً وقوَّة ومسؤوليَّة وقوامة، لكن ذلك لا يعني أن جميع أفرادهم أفضل من النساء! فالفضل والرجولة تكون بأداء الواجبات وإيصال الحقوق أولاً، وهذا بالتأكيد يستلزم أن يكون الرجل قائمًا ببيته، وله القرار فيه، أما أن يكون مسؤولاً بلا قيادة وإدارة بيده فهذا لا يكون إلا في خيالات الواهمين، وأُمنيات الفاشلين!
الزواج -أعزَّائي- ليس مجرَّد مكان للغرائز، أو مجالاً للسُّلطة واستعراض القوَّة! إنَّه رحمة عظيمة من الله تعالى بعباده.. هو تنظيم اجتماعي للغريزة، يرتقي فيها الإنسان بلجام عقله عن أن ينحط لسلوك البهائم في غرائزها! وما أجمل تعبير د. مصطفى محمود -رحمه الله- حين قال: "بالإرادة والعقل يبدأ الإنسان.. إن الإنسان إنسانٌ لأنَّه لم يترك شهواته تقوده، ولم يترك أهواءه وعواطفه تسيِّره وتحكمه، وإنما هو الذي قاد هذه الشهوات، وحكم هذه الأهواء والعواطف وكان سيدها"
الزواج متعة طويلة، ومحبة مستقرة توصلنا للمودَّة والرحمة، فهي علاقة تراحُميَّة قبل أن تكون علاقة تعاقُديَّة.. وتمام حريَّة كل طرف في الزواج تكمن في أداء واجباته تجاه شريكه، لا أن يكون الزواج شعلة غراميَّة تنطفئ سريعًا ثم تُخلِّف ندمًا يدوم، ومشكلات تتعاقب!.
ومُعجَبُ الوردِ يقطِفهُ ويرميهِ ... أمَّا المحبُّ فذاك الحافظ السَّاقي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*باحث، وناشط اجتماعي