في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، يظل الفقر أحد التحديات الكبرى التي تسعى الحكومة للتصدي لها عبر برامج التنمية المستدامة ومبادرات التمكين الاجتماعي.
لمناقشة هذا الموضوع بشكل أعمق، نستضيف الدكتورة عزيزة عبدالله العلي النعيم، أستاذة علم الاجتماع الحضري بجامعة الملك سعود سابقًا، وباحثة خبيرة في الشؤون الاجتماعية، للحديث عن أسباب الفقر، أبعاده، وتأثيراته، إلى جانب استعراض الجهود المبذولة لمواجهته، سنستكشف في هذا الحوار رؤية الدكتورة حول سبل تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، ودور المبادرات الحكومية والمجتمعية في التصدي لهذه الظاهرة.
بدايةً، دكتورة عزيزة، هل يمكنك أن تخبرينا قليلا عن نفسك وما الذي الهمك في رحلتك حتى الآن؟
بروفسور في علم الاجتماع الحضري بجامعة الملك سعود، وأعمل الآن مستشارة في عدة مجالات بحثية، إلى جانب أعمالي التطوعية، ومنها جمعية سند لدعم أطفال السرطان.
أكثر ما أثر في شخصيتي هو والدي ووالدتي، فقد كانا مثالًا للكفاح؛ والدي جاهد كثيرًا للحصول على الدكتوراه، ما ألهمني وأخواتي للعمل بجدية لتحقيق النجاح.
لماذا اخترتِ علم الاجتماع كتخصص أكاديمي؟
دخولي لهذا المجال جاء بالصدفة. بدأتُ بدراسة الطب لمدة عام، لكن لم أجد نفسي فيه. كنت أرغب في دراسة علم الأحياء، لكنها لم تكن متوفرة آنذاك. بعد انتقالي إلى أمريكا، اقترحت عليَّ عمادة القبول دراسة علم الاجتماع، لكونه يتناسب مع شخصيتي واهتمامي بالعائلة والأطفال. ومن هنا بدأت رحلتي الأكاديمية، حيث حصلت على البكالوريوس من جامعة واشنطن، ثم الماجستير والدكتوراه من جامعة الملك سعود، وترقيت إلى درجة أستاذ بروفيسور.
ما هو دور البرامج الحكومية في تحسين حياة الفقراء؟ وكيف يمكن تعزيز فعاليتها؟
الدور الحكومي كبير جدًا، حيث تسعى الدولة لتمكين المواطنين وضمان حياة كريمة لهم. هناك العديد من البرامج مثل الضمان الاجتماعي، حساب المواطن، الجمعيات الخيرية، وبرامج القروض الحسنة. هذه المبادرات تهدف لتحسين مستوى المعيشة وتقليل الفجوة الاقتصادية. مع ذلك، فعلى الأفراد أيضًا دور في البحث عن هذه الفرص والعمل على الاستفادة منها بفعالية.
ما هي العوامل الرئيسية التي تسهم في انتشار الفقر؟
العوامل متنوعة، ولكن أبرزها اقتصادي، مثل قلة الدخل، أو اجتماعي، كعدم تمكين المرأة وغياب العائل. هناك أيضًا عوامل نفسية، مثل المشكلات النفسية التي تمنع الأفراد من العمل والإنتاجية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التعليم يعد عنصرًا أساسيًا؛ فالجهل أو الأمية يحدان من قدرة الأفراد على تحسين أوضاعهم.
وكيف ترين أثر التعليم في كسر حلقة الفقر بين الأجيال؟
التعليم هو المفتاح الأساسي. كثير من الأشخاص الذين عاشوا في ظروف اقتصادية صعبة تمكنوا من تغيير حياتهم وحياة أسرهم عبر التعليم. فهو لا يرفع فقط المستوى الاقتصادي، بل يعزز من مكانة الفرد الاجتماعية. ومع التطور التكنولوجي، أصبح من الضروري تعلم مهارات جديدة، بما في ذلك التعامل مع التكنولوجيا، لمواكبة سوق العمل المتغير.
ما هي العواقب طويلة الأمد للمشكلات النفسية على الاقتصاد الأسري؟
المشكلات النفسية تؤدي إلى تداعيات كبيرة. عندما يعاني الشخص نفسيًا، يفقد القدرة على العمل، مما يضع عبئًا اقتصاديًا على أسرته. هذا قد يدفع الأسرة بأكملها إلى دائرة الفقر. ولهذا، يجب مواجهة المشكلات النفسية بالدعم المجتمعي والديني، إلى جانب تعزيز الوعي بخطورة الفراغ والتساهل مع مسببات هذه المشكلات مثل الإدمان.
كيف يمكن لريادة الأعمال والتكنولوجيا أن تساهم في مكافحة الفقر؟
ريادة الأعمال تعد أداة فعالة لتحسين دخل الأفراد، خاصة عندما يتم توفير المهارات اللازمة لهم. أما التكنولوجيا، فهي تفتح آفاقًا واسعة؛ فمثلاً، يمكن للفرد الاستفادة من الإنترنت للعمل عن بُعد أو بدء مشروع تجاري إلكتروني. الجمعيات الخيرية والجهات الحكومية تقدم دورات تدريبية لتمكين الأفراد من اكتساب هذه المهارات، ما يسهم في تحسين جودة حياتهم.
ماهي الطرق الفعالة التي يمكن من خلالها الوقاية من الفقر؟
الوقاية من الفقر تعتمد على مجموعة من العوامل المهمة، ومن أبرزها البحث عن الفرص المتاحة في المجتمع واستغلالها بشكل صحيح. لدينا العديد من الفرص في مجتمعنا، والدليل على ذلك هو أن ثلث السكان في المملكة العربية السعودية هم من غير السعوديين الذين جاءوا بحثًا عن فرص العمل. هؤلاء الأشخاص يشهدون على وفرة الفرص التي يمكن الاستفادة منها، وبالتالي يجب أن نرحب بهم ونستفيد من وجودهم في تطوير أنفسنا ومجتمعنا.
بعد اغتنام هذه الفرص، تأتي أهمية الإدارة المالية الشخصية. يجب على الفرد تقسيم راتبه إلى ثلاث أقسام رئيسية: الاستثمار، الادخار، والإنفاق. هذا التوزيع يساعد في خلق توازن مالي يمنع الشخص من الوقوع في الأزمات المالية. كما يمكن تطبيق هذه المبادئ حتى على الأقل الرواتب، حيث أن اتباع هذا النهج بشكل منظم ومدروس يمكن أن يقلل من خطر الوقوع في الفقر ويحسن الوضع المالي للأفراد في المجتمع.
إذًا، هل هناك استراتيجيات معينة يمكن أن يتبعها الأفراد لزيادة فرصهم في التقدم الاقتصادي؟
نعم، من المهم أن يكون الشخص دائمًا على وعي بالفرص الجديدة، سواء كانت في مجال التعليم أو العمل أو حتى الاستثمار. التدريب المستمر واكتساب مهارات جديدة يسهمان في تعزيز قدرة الفرد على المنافسة في سوق العمل.
ختامًا، ما هي رسالتك للأفراد والمجتمع في مواجهة الفقر؟
رسالتي هي اغتنام الفرص المتاحة؛ المملكة مليئة بالإمكانات التي يمكن للأفراد استغلالها لتحسين أوضاعهم. كما أن التعليم، سواء كان أكاديميًا أو مهنيًا، هو الركيزة الأساسية لمستقبل أفضل. أدعو الجميع إلى السعي والعمل بجدية والاستفادة من البرامج والمبادرات المقدمة، لتحقيق مجتمع أكثر عدالة وإنصافًا.
نشكر الدكتورة عزيزة النعيم على هذا الحوار القيم والمعلومات الثرية التي سلطت الضوء على ملف الفقر وأبعاده في المجتمع السعودي. نسأل الله أن يستمر هذا الجهد المبارك لتحقيق رؤية المملكة في القضاء على الفقر وتعزيز التنمية المستدامة.