في المجتمع الأمريكي المنفتح، لا يَكَادُ يَخْلُو شارِعٌ أَوْ شاشَةٌ أَوْ إِعْلانٌ مِن صُوَرِ التَّفَسُّخِ وَالعُرْيِ وَالسُّلُوكِيّاتِ المُنَافِيَةِ لِلْفِطْرَةِ. ، وتبرز نعمة غض البصر كدرعٍ واقٍ يحمي القلب والعقل من الانجراف خلف الشهوات، ويصون النفس من التبلد الأخلاقي والانحراف السلوكي.
في المجتمع الغربي المفتوح، الذي يُروَّج فيه للجسد بوصفه سلعة، وللحرية بوصفها انفلاتًا من الضوابط، يصبح غض البصر عبادة راقية ومجاهدة عظيمة للنفس، فحين يفيض كل شيء بالإغراء، يكون صرف النظر موقفًا شجاعًا، وقرارًا إيمانيًا يُعبّر عن صدق العلاقة مع الله، لا عن ضعف أو انغلاق.
أكتب هذا وأنا أعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، بلد الحريات والانفتاح، حيث لا وجود في ثقافتهم أو دياناتهم لما نعرفه نحن بـ "الحرام" أو "العيب" في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
في هذا المجتمع، كل شيء متاح ومباح في الظاهر، والحدود بين الرجل والمرأة شبه معدومة، والمظاهر المثيرة لا تُعد مخالفة، بل تُعتبر "حرية شخصية" لا يحق لأحد إنكارها.
وسط هذا الواقع، تغدو نعمة غض البصر نعمة عظيمة لا يعرف قيمتها إلا من جاهد نفسه في بيئة لا تُعينه على الطهر ، تغض بصرك، لا لأنك لا ترى، بل لأنك اخترت أن تُكرم نظرك، وتحفظ قلبك، وتُرضي ربك ، وهو اختبار يومي للثبات، ومجاهدة حقيقية تتطلب صدق النية وقوة العزيمة ، قال الله تعالى:﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ (النور 30)
إن الأمر بغض البصر ليس عبئًا، بل هو تربية للنفس، وتهذيب للقلب، ووقاية للروح.
وفي بيئة كهذه، هو باب من أبواب النجاة من التبلد الحسي والانغماس في الشهوات.
في الغرب، قد يُساء فهم غض البصر، ويُنظر إليه على أنه نوع من الكبت أو القمع، لكن الحقيقة أن القدرة على التحكم بالنظر وسط الفتن المنتشرة هي قمة القوة والسيطرة على الذات.
في المجتمع الأمريكي، حيث أعيش، لا تقتصر مظاهر الانفتاح على التبرج والتعري فحسب، بل نعيش وسط تلوث بصري دائم، لا يكاد يخلو منه شارع أو متجر أو وسيلة إعلام.
والأدهى من ذلك، هو انتشار السلوكيات المنحرفة كالمثلية الجنسية، لا في الخفاء، بل في العلن وبأفسخ الصور، يُروَّج لها، ويُحتفى بها، وتُفرض على الجميع بوصفها "حقًا" و"حرية".
لقد غيّروا فطرة الله التي فطر الناس عليها، وجاهروا بذلك، حتى بات من يُنكر هذا الانحراف يُعتبر متخلفًا أو متعصبًا في نظرهم.،ولا يوجد في قاموس هذا الجانب أصلا ، ففي هذا الواقع، يصبح غض البصر حفظًا للفؤاد، وصيانة للفطرة، وتمسكًا بثوابت لا مساومة فيها.
ورغم كل ما سبق، فإن هناك مسلمين يعيشون في الغرب حافظوا على أعينهم وقلوبهم، وتمسكوا بدينهم، ونجحوا في حياتهم دون أن يذوبوا في تيار الإباحية أو يساوموا على القيم.
هؤلاء هم القدوة الحقيقية، وهم الدليل الحي على أن الالتزام ممكن، مهما كانت البيئة.
💡 فلاش :
غض البصر في الغرب ليس مجرد عبادة، بل علامة على الثبات، والإخلاص، والتميز الحقيقي ، هو نعمة في بيئة غابت فيها المعايير، وكثرت فيها الفتن، وتُرك فيها الإنسان لهواه ، فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة غض البصر ، وفي بلد يُقال فيه: "افعل ما تشاء"، يقول المؤمن: "الله يراني" هذا علمي... وسلامتكم.





