بكل سرّ الصبر وعظمته، يكتم الإنسان وجعه حتى يظن من حوله أنه بخير، يمشي بين الناس بوجهٍ هادئ، وقلبٍ مثقل، لا يشكو، لا يتأفف، فقط يبتسم.
فإن سألك الحسّاد عني، فقُل: عظيم الحيل، لا يُكسر.
وإن سألك المحبّون، فقُل: حاله لا تُرضي، لكنه لا يُظهرها، كفاه الله شر ما يمر به.
الصبر ليس مجرّد تحمُّل، بل هو فن من فنون الحياة، أن تبقى ثابتًا في وجه الرياح، أن تحضن الألم بصمت، وتواصل الطريق كأن شيئًا لم يكن. هو المثابرة وسط العواصف، وتحمل الأوجاع بنَفَسٍ طيب لا يشي بما في الداخل.
وقد بيّن شيخ الإسلام الهروي مراتب الصبر بثلاث درجات:
• الأولى: أن تصبر عن المعصية، إما خوفًا من عاقبتها أو حياءً من الله.
• الثانية: أن تصبر على الطاعة، فتداوم عليها بإخلاص وعلم وإتقان.
• الثالثة: أن تصبر عند البلاء، وهنا يبلغ الإيمان ذروته.
أركان الصبر ثلاثة:
1. كف النفس عن الجزع والتسخّط.
2. حفظ اللسان من الشكوى.
3. ضبط الجوارح عن كل ما لا يرضي الله.
فالصبر ليس مجرد فضيلة، بل هو باب من أبواب الجنة. قال الله تعالى:
{إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا}
لم يقل: بما صلّوا أو تصدّقوا، بل قال: “بما صبروا” لأن الصبر عبادة خفية، تُؤدى وأنت تنزف في صمت.
وقد عبّر المتنبي عن ذلك أبلغ تعبير:
كالخيلِ يمنعُنا الشموخُ شكايةً
وتئنُ من خلفِ الضلوعِ جروحُ
كم دمعةٍ لم تدرِ عنها أعينٌ
ونزيفها شهدتْ عليهِ الروحُ
الصبر جمال لا تراه العيون، لكنه يُزهر في القلب، ويورث صاحبه رفعة في الدنيا ومقامًا في الآخرة.





