هناك سؤالٌ مر! لكنه واقع ماله من دافع! لماذا يعادي بعض الخلق الله ويستمتعون بالمعاصي وبعضهم بالكفر والالحاد به، وهو الذي أوجدهم من العدم، لماذا بعضنا يقدم ملذاته على حب الله؟ لماذا يُقصر بعضنا في حبه لله وقد تحبب إلينا بسائر نعمه قال تعالى "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" النحل -53- ففي الآية قال: نعمة على الإفراد ولم يقل: نِعَم؛ لأنه إذا كنا نعجز عن عد نعمةٍ واحدة، فسنعجز عن عد نعمه من باب أولى، وكذلك هناك قول لأهل العلم أنَّ هذه النِّعمة عامَّة ليس لأحد أن ينزِلَها على نِعمةٍ دون الأخرى؛ لأنَّ "نِعْمَة" هنا مُفرد، والمفرد إذا كان اسمَ جنسٍ وأُضيف إلى معرفة فإنَّه يعمُّ؛ كما قرَّر ذلك أهلُ الأصول وغيرهم ، لذلك فإن عِظَم رحمة الله عزَّ وجل، وسَعَة فضلِه عظيمة؛ فهو ينعِم على المطيع والعاصي، والمؤمنِ والكافر، ومع ذلك تُنسب إلى غيره، وهو المستحقُّ وحده دونما سواه لذلك، والاعتراف بالنعمة أول بوابة الحب وقلي من عباد الله من يشكرون نعمه عليهم لله يقول سبحانه وتعالى " وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" سبأ -13- .
وأول خلقه طغيانا ابليس الذي أقسم أنه سيقف على الطريق لعباده يصدهم عن سبيله فقال "ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ" فأكثر الأمة غير شاكرين فما أحلمه على عباده كما قال صلى الله عليه وسلم " لا أحَدَ أصْبَرُ علَى أذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ، إنَّه يُشْرَكُ به، ويُجْعَلُ له الوَلَدُ، ثُمَّ هو يُعافيهم ويَرْزُقُهُمْ" صحيح مسلم..
"فلماذا لا نحب الله عزوجل"
نعم لماذا لا نحب الله عزوجل؟ هذا سؤال لمن يجحدون نعم الله عليهم، اما المؤمن فإنه بحبه، كيف لا وهو الذي يتحبب لنا بالنعم؟ ولماذا لا نحبه وقد شرع لنا هذا الدين؟ لابد أن نحبه بالقول والفعل سبحانه؛ فهو خالقنا ورازقنا، فلنحبه؛ فهو الذي أوجدنا من العدم، وأعطانا من النعم، بلا حصر ولاعد "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا" "النحل" -18- صحة في بدن، وأمن وغذاء، وشراب وكساء "ومآبكم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ" "النحل 53" فلماذا لا نحبه، وقد جعل لنا عينين، ولسانًا وشفتين؟ لماذا لا نحبه، وقد أخرجنا من بطون أمهاتنا جهلة لا نعرف شيئًا: وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة؟ ولماذا لا نحبه وقد عرفنا بنفسه وأسمائه وصفاته وأفعاله، وله الأسماء الحسنى، والصفات العلى، فهو مالك الملك، بيده الأمر، قائم على كل نفس بما كسبت يدبر الأمر وهو على كل شيء قدير؟ هذا الخالق العظيم الذي يكتب لعبده حسنة مكان سيئة أراد فعلها؟ ويضاعف لنا الأجر ألا نحبه؟ ، إنه ربُ كريم يعفو عنا، ويصفح، لماذا لا نحبه؟ ، ربُ يسوق ألطافه إلى عباده، ففي الحديث الصحيح "إن الله عزوجل ليحمى عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه، كما تحمون مريضكم من الطعام والشراب، تخافون عليه " رواه أحمد"، فلنكثر من حبه ولنستمتع بكثرة ذكره وشكره واتباع طاعته.
قصة عجيبة
وانقل لكم هذه القصة التي ذكرها أحد العلماء والتي تدل على أن ما كان لله فهو لله، وما كان لغيره فسيظهره سبحانه، فهذا شاب مسلم درس في أمريكا، وأعجبته فتاة إعجاباً لا حدود له، فاستأذن والده أن يتزوج منها، ورفض والده وهدده أن يتبرأ منه لو تزوجها، لأنها ليست مسلمة، فخطرت في بال هذا الشاب أن يستأذن والده لو أنها أسلمت، أتسمح لي بالزواج منها؟ فقال له: أسمح لك، ففرح بذلك واشترى لها عشرين كتاباً باللغة الإنكليزية ،وهي ذكية جداً، قالت له: أنا لا أقرأ هذه الكتب وأنت معي، وطلبت إجازة أربعة أشهر كي تقرأها، إما أن تسلم، وإما ألا تسلم ، وعدّ هذا الوقت بالثواني ،ولما انتهت هذه المدة اتصل بها، قالت: لقد أسلمت، ففرح بذلك، ولكنها قالت له: ولكني لن أتزوجك ، لأنك لست مسلماً بحسب ما قرأت ، فالله سبحانه وتعالى كشف لها أي نوعية هذا الشاب بعد اطلاعها على الإسلام واسلامها ، ومع ذلك الله يغفر الذنوب كبيرها وصغيرها، ويستر على عبده ، وأخرج البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم، ويقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم، فيقرره ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم. " اللهم أحسن خاتمتنا، ولا تقبضنا إلا وأنت راض عنا، وارزقنا شفاعة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
"اهم علامات الحب"
إن الله عز وجل جعل الحب العظيم لعباده المؤمنين، قال تعالى: "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ" وقال تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ "وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ " قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: ومنها أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا" متفق عليه
وقال الشاعر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه---- ذاك لعمــري في المقام شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعـته----- إن المــحب لمن يـحب يطيع
وإن من أهم العلامات في محبة الله سبحانه أن يكون حبه سبحانه فوق كل حب، فهذه هي الثمرة العظيمة من المحبة في حال إقبالك عليه تبارك وتعالى، إقبال قلبك فإن الإقبال لا يكون إلا بالقلب، ثم تنفعل الجوارح بالقلب، ففي حال إقبالك على الله بمحبته وقد سن لنا النبي صلى الله عليه وسلم الأذكار في الصباح والمساء، وما بينهما إقامةً لذكر الله، وإعلاناً لحبه، فأول مذكورٍ إذا فتحت عينيك هو الله، وآخر مذكورٍ إذا أغمضت جفنك هو الله هكذا فليكن الحب! إذا فتح المرء عينيه أول شيءٍ يقرع لسانه هو ذكر الله، فإذا استيقظ المرء يقول أصبحنا وأصبح الملك لله أول كلمة تنطق بها أول ما تستيقظ ترفع راية العبودية لله فالمُلْك لله، وأنك عبد ليس لك حول ولا قوة.، فهو يسوق الفرج إلينا لماذا لا نحبه؟
"يحب طاعتنا ويكره معاصينا"
فتأملوا لطف الله بكم فهو ينجيكم في ظلمات البر والبحر ويشفيكم من الأمراض، ويعافيكم بقدرته، وكل واحد فينا داخل جسمه، كم نوع من الميكروبات والجراثيم؟ قدره بعض العلماء بسبعة آلاف من الجراثيم، سبعة آلاف نوع، وليس بالعدد؟، وينجو من أراد الله له أن ينجو، وهم الأكثر، ومن كتب عليه شيئًا، كانت كفارة للسيئات، ومضاعفة للحسنات، ورفعًا للدرجات؟ ومن لطفه أيضا: أنه يرزقه من حيث لا يحتسب: "وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" ويفرج الكروب، ويدفع، وهو يحب طاعتنا ويكره معاصينا، وإذا تبنا واستغفرنا غفر لنا فهو الغفور الرحبم، وقبل توبتنا، وما نعمل من عمل صالح، يجزينا عليه، ويقبله، ويوم القيامة يعطي الجنات بما فيها، من كل أنواع النعيم الدائم.
وعن صهيب بن سنان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ. "متفق عليه" وفي رواية: وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ} [يونس: 26]. وقال تعالى" وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " "وقوله للذين أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ " فالنظر إلى الله، هو الزيادة، والجنة هي الحسنى" فهل بعد هذا كله نفرط في محبته سبحانه إنها الكارثة إن فعلنا ذلك، إنها الكارثة إن فعلنا ذلك.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وكل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم آمين.





