يُعد فن الكاريكاتير من الفنون البصرية الراقية التي تجمع بين البساطة والعمق، وتحمل بين خطوطها رسائل قوية قادرة على إحداث التغيير وتحفيز التفكير.
وفي هذا العالم الساحر، يبرز اسم الفنان أمين ناصر الحبّاره، الذي استطاع أن يترك بصمته محليًا وعالميًا من خلال ريشته الصامتة ورسوماته الناطقة بكل لغات العالم.
في هذا الحوار، يحدثنا الحبّاره عن رحلته مع الكاريكاتير، التحديات التي واجهها، وأحلامه لمستقبل هذا الفن الجميل.
1. بداية، كيف كانت رحلتك الأولى مع فن الكاريكاتير؟ وهل كانت هناك لحظة معينة ألهمتك للدخول لهذا العالم؟
في طفولتي المبكرة، كنت مثل بقية الأطفال أُحب مشاهدة أفلام الكرتون، لكنني كنت مشدودًا أكثر لتفاصيل الشخصيات مثل العيون والوجوه والشعر، بدلاً من القصص.
كنت أحمل ورقتي وأرسم شخصيات مثل ماروكو، الكابتن ماجد، ماوكلي وجريندايزر.
رحلتي الحقيقية مع الكاريكاتير كانت أشبه باكتشاف ذاتي؛ عندما وقعت عيني على أعمال الفنان الأرجنتيني مورديلو (Mordillo)، أدركت أن الخطوط البسيطة يمكن أن تحمل رسائل عظيمة، وأن الفكاهة جسر يعبر بالمشاعر إلى القلوب. من تلك اللحظة، فهمت أن الكاريكاتير ليس مجرد رسم، بل لغة بصرية تُحرك المشاعر وتثير التفكير.
2. ما أبرز التحديات التي واجهتك كفنان كاريكاتير في السعودية؟
بدأت التحديات منذ أول يوم التحقت فيه بصحيفة، عندما طُلب مني رسم كاريكاتير يومي بفكرة جديدة!
في البداية شعرت بالحيرة، ولكن مع مرور الوقت أدركت أن عالمنا مليء بالأحداث اليومية الملهمة. خلال سنتين، نشرت أكثر من 700 فكرة كاريكاتيرية.
كما أدركت أهمية “الكاريكاتير الصامت” الذي يتحدث إلى كل الشعوب بلا حاجة للترجمة، واستطعت بفضله أن أنشر عالميًا وأكون عضوًا في حركات فنية مرموقة بهولندا وفرنسا والأرجنتين.
ولا تزال قلة المعاهد الأكاديمية المتخصصة تمثل تحديًا حقيقيًا أمام تطوير هذا الفن الجميل في عالمنا العربي.
3. برأيك، كيف يمكن للكاريكاتير أن يسهم في معالجة قضايا المجتمع السعودي؟
الكاريكاتير قوة ناعمة قادرة على أن تكون صوت الناس وهمومهم بطريقة جذابة وساخرة.
في السعودية، يمكن لهذا الفن أن يسلط الضوء على قضايا مهمة مثل البيئة، حقوق المرأة، الصحة، والعنصرية.
الصورة تسبق الكلمة إلى القلب، وتحفز على التفكير والنقاش بطريقة فنية إنسانية خفيفة لكنها عميقة التأثير.
4. كيف ساعدت التكنولوجيا الحديثة في تطوير فن الكاريكاتير وانتشاره؟
التكنولوجيا جعلت الإبداع أكثر سهولة واحترافية!
بفضل برامج مثل “Procreate” و”Sketchbook”، أصبح بإمكان الفنان أن يبدع أعماله بدقة عالية، وبسرعة.
وسائل التواصل الاجتماعي مثل منصة X وإنستغرام وفيسبوك، حوّلت الكاريكاتير إلى ظاهرة عالمية تصل إلى ملايين الناس عبر ضغطة زر واحدة.
5. ما الرسومات التي تعتز بها أكثر؟ ولماذا؟
أعتز بكل عمل يرسم لحظة إنسانية صادقة: الأم، الأب، الوطن، الفقراء…
أنا أرسم من أجل الإنسانية.
كل لوحة أحمل فيها رسالة حب وتأمل، لأني أؤمن أن الفن يربطنا جميعًا بروابط لا مرئية من الرحمة والمشاعر.
6. من أين تستلهم أفكارك لرسوماتك؟ وهل هناك فنانون أثروا في مسيرتك؟
الإلهام بالنسبة لي يأتي من تفاصيل الحياة اليومية، من قصص الناس، من الأخبار، من الشعر والفلسفة.
كما أنني دائم الاطلاع على أعمال عظماء الكاريكاتير العالميين، أغوص في أساليبهم لأستلهم منها، ثم أصيغ بصمتي الخاصة التي تحمل روحي وأفكاري.
7. نصيحتك للشباب الراغبين في دخول مجال الكاريكاتير؟
أنصحهم بأن يدخلوا هذا العالم بشغف وحب.
أن يثقفوا أنفسهم بالقراءة والمتابعة، وأن يتحلوا بالصبر لأن الإبداع يحتاج إلى وقت.
وأهم شيء: أن يكونوا صادقين مع أنفسهم؛ فالكاريكاتير انعكاس لروح الفنان ومشاعره.
أتمنى أن يولد في كل بيت سعودي فنان كاريكاتير؛ لأن ولادة فنان ناقد يعني ولادة فكر حي يسهم في تطوير المجتمع.
8. كيف ترى مستقبل الكاريكاتير والصحافة الهزلية في السعودية؟
أرى مستقبلاً مشرقًا!
مع المساحات الجديدة المتاحة للإبداع، وتزايد الاهتمام بالقصص المصورة مثل “مانجا السعودية”، أصبح المشهد الثقافي أكثر ثراءً.
كما أن وجود برامج تعليمية ومهرجانات فنية تعزز من هذا التطور، بل إننا بدأنا نرى إنتاجات كرتونية سعودية تنافس العالمية، وهو شيء يدعو للفخر.
9. حدثنا عن آخر إصداراتك الفنية؟
أصدرت مؤخرًا سبعة كتب فنية حملت عناوين:
* صمت يحكي
* 5 أكتوبر
* كوكب الحروب
* وجوه من كوكبنا
* بلاستيكات متوحشة
* نسوان
* حياة عارية
كما أنجزت ثلاث قصص للأطفال ستصدر قريبًا، بالإضافة إلى ديوان أناشيد للأطفال بعنوان “حكايا بلقيس” بالتعاون مع الشاعر علي النحوي.
أتمنى أن تكون هذه الأعمال رفيقة الأطفال نحو عالم المعرفة والإبداع.
10. ما أثر الجوائز على مسيرتك الفنية؟
حاورته: منى الصبي الجوائز هي بمثابة وقود يُشعل شعلة الاستمرار والتجديد لدي.
الحمد لله حصلت على 29 جائزة محلية وعالمية.
كل جائزة تذكرني بأن الفن رسالة مستمرة، وأن الطريق نحو الإبداع لا يعرف النهاية.
الجوائز أيضًا تجعلني أشعر بمسؤولية أكبر تجاه المجتمع الذي أنقل صوته بريشتي.





