صفع عمّته أم زوجته بعد تدخلها لصالح ابنتها في مشكلة حصلت بين الزوجين. للعمة أم الزوجة في هذا البلد مكانة عالية، بل تقديس. لذلك في أمثالهم يقولون: (سيدي وا بيير)، ومعناها في لغتهم: الصهر الكبد.
سيدي: صهري،
وا: بمعنى،
بيير: كبد (في لغة الصومال).
العبارة تدل على المكانة العالية للصهر عند العمة والأهل.
كبر الأمر، فما قام به الشاب خارج عن القيم والأعراف، فالأمر جلل ومصيبة. الكل أخطأ الشاب دون الاستماع إليه أو استفساره لهول الأمر.
تطورت الأمور الأسرية والعشائرية والقبلية، وكان هناك إجماع أن ما قام به كارثة كبرى ستحدث فتنة. وصل الأمر إلى كبار مشايخ المنطقة.
قال شيخهم الكبير - أول ما سمع بالمشكلة - رأيًا صدم الجميع: أن العمة هي المخطئة، وأن الشاب لم يكن مخطئًا.
العمة المصفوعة مخطئة!!!
قال الشيخ: كيف للعمة أن تقف في مكان من الممكن أن تصل يد زوج ابنتها إليه؟
فالمنطق أن تضع العمة حدودًا بينها وبين زوج ابنتها، بمعنى حدود مادية ومعنوية. فلا تكون الحدود المادية بالأمتار والمسافات، إنما أيضًا هناك مساحات معنوية واجتماعية قائمة، مراعاة لهيبتها ومقامها.
إنه فن احترام المسافات يا سادة.
من كم يوم، كنت قريبًا من أحد المطاعم المعروفة في المنصورة، وشاهدت موقفًا قد يكون عاديًا بسيطًا على بساطة من قاموا به وتلقائيتهم.
مجموعة من شباب الثانوية العامة، يبدو أنهم أنهوا امتحان إحدى المواد، يتجاذبون مدرسًا لدعوته للغداء في مطعم، وآخرون يجذبونه لمكان آخر، وهو في وسطهم محتار محرج. ذاك يشد وذاك يشد، في موقف تلقائي بسيط، وعلى بساطة أصحابه، يمكن ما أزعجني الطريقة في دعوته وجذبه.
قيل لي منذ مدة، من إخوة أكبر مني سنًا، هم في مقامات عليا في البلد:
هل تعلم أننا لا نزال إلى يومنا هذا، على الرغم من سننا الكبير، نهاب أساتذتنا القدماء؟
بل قال لي أحدهم:
كنت أخشى أن أمر في شارعكم خوفًا أن يشاهدني الأستاذ محمد المقبلي أو الأستاذ علوي بركات - رحمهما الله - لهيبتهما حين كنت طالبًا، حتى وأنا في هذا السن الكبير جدًا.
يقول: كانوا أساتذة زمان مهيبين، وكنا نضع مساحات نفسية واجتماعية لهيبتهم.
وذكر منهم:
الأستاذ بارباع،
الأستاذ عوض وأكد،
الأستاذ عبدالواسع علوان،
الأستاذ عبدالله شرف،
الأستاذ سعيد ناجي،
الأستاذ حسين عولقي،
الأستاذ الجرادة،
الأستاذ الحنبلة،
الأستاذ فيصل اليابلي،
الأستاذ مجيد غانم،
الأستاذ سعيد محمد يحيى،
الأستاذة ليلى السيد علي،
وغيرهم كثيرون رحمهم الله.
هذا على لسان ذلك الرجل الكبير علمًا ومقامًا.
كلام الأخ أعاد لي من خلال ثقافة الذاكرة بعض الذكريات القديمة لبعض الهامات التربوية المهيبة، التي لم نكن نستطيع الاقتراب منها أو الحديث معها طويلًا لهيبتهم:
الأساتذة:
زينب علي قاسم،
ملكة مهيوب،
منيرة سيأني،
أسماء ماطر،
خديجة قاسم،
جوهرة صعيدي،
ليلى باخبيرة،
عوض نبهان،
الأستاذ بامعروف،
محمد بازياد (المعروف بعبدالله بازياد)،
الست قمر،
جوهرة حمود،
جلال محجوب،
نبيل حمادي،
الأستاذ محمد علي الشلن،
دينا عبدالباري،
الأستاذ عباس،
الرحمة والنور لهم ولذكراهم، ولكل أستاذ ومربٍّ حيًا كان أو في جنة الخلد بإذن الله.
مهما قست الأحوال الاقتصادية والاجتماعية على المدرسين، سيبقون قيمة وقامة في قلوبنا وعقولنا. سيبقون مهيبين، لهم كل الاحترام والإجلال والتقدير، في كل زمان ومكان.
علينا أن نتذكر الحكمة اليابانية:
"قف على بعد سبع خطوات حين تحدث معلّمًا لكي لا تدوس على ظله."
لكل معلم ومعلمة، في كل زمان ومكان:
لكم ألف تحية وإجلال وتعظيم سلام، ومن على بُعد.





