مع اقتراب موسم الحج من كل عام، تتحول مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى ساحة إنسانية كبرى تعج بالمشاعر الصادقة والترحيب النابع من القلب، حيث يتسابق أهالي الحرمين الشريفين في التعبير عن فرحتهم باستقبال ضيوف الرحمن، مجسدين القيم الإسلامية في أبهى صورها.
ففي مكة المكرمة، المدينة التي تهفو إليها القلوب، تفيض وجوه أهلها بالبِشر والحب مع كل حاج تطأ قدماه أرضها الطاهرة. يلمس الحاج في كل خطوة أنه ليس غريبًا، بل هو في وسط أهله وذويه. تتعدد مبادرات الكرم والضيافة، من توزيع الماء البارد، وتقديم التمر والقهوة، إلى كلمات الترحيب والدعاء التي تسبق كل شيء: " حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا، وأهلاً وسهلاً بكم في أطهر البقاع".
أما المدينة المنورة، مدينة رسول الله ﷺ، فتمتزج فيها السكينة بالترحاب، وتُقابل القلوب الوافدة إليها من كل فج عميق بمشاعر وقورة ونبيلة، تُشعِر الزائر بأنه في دار النبوة، بين قومٍ عُرفوا منذ فجر الإسلام بمدى حبهم للزائرين.
ويتجلّى تفاعل أبناء مكة والمدينة في صور إنسانية مذهلة، تتصدرها روح التطوع، والرغبة الصادقة في تقديم كل ما يُسهّل على الحجاج أداء نسكهم بيسر وسكينة. ويشارك الجميع في هذا الشرف العظيم، من شباب وشابات، وجهات رسمية وأهلية، عبر منصات تطوعية وإرشادية وتوعوية، تؤكد أن خدمة الحجاج ليست واجبًا فقط، بل هي شرف يتوارثه السعوديون جيلًا بعد جيل.
ولا يمكن الحديث عن الحج دون الإشادة بالجهود العظيمة التي تبذلها حكومة المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، في توسعة الحرمين الشريفين والمناطق المحيطة بهما، حيث تم إنفاق مليارات الريالات على مشاريع البنية التحتية، والنقل، والتكييف، والتظليل، وإدارة الحشود، وكل ما يسهم في راحة الحاج والمعتمر والزائر.
هذه المشاريع العملاقة ليست سوى امتداد لنهج الدولة منذ تأسيسها، في جعل خدمة الحرمين الشريفين وضيوفهما أولوية قصوى، وأمانة تتشرّف بها على مدى العام.
ويعكس هذا التفاعل الوطني والمجتمعي صورة ناصعة للمملكة التي سخّرت كل إمكاناتها البشرية والتقنية واللوجستية لخدمة الحجيج، فيما يواكبها الشعب بدعم وجداني وإنساني قل نظيره في العالم.
وتبقى مكة والمدينة في موسم الحج أكثر من مدينتين مقدستين؛ إنهما رمزان للتآخي والتراحم، ومدرستان في البذل والعطاء، عنوانهما الأكبر: " أهلاً بالحجيج في بلد الإيمان والضيافة، بلد الحرمين الشريفين".
ــــــــــــ
*رئيس تحرير الصحفية





