يُعدّ الحب والعطاء من أسمى القيم الإنسانية التي تُعبّر عن رقيّ النفس وسموّ الأخلاق. فحين يقدّم الإنسان الخير لغيره، دون انتظار مقابل، فهو يعكس صفاء قلبه، ونُبل مشاعره، وسموّ روحه. ومن أعظم صور العطاء أن يُؤثِر المرء غيره على نفسه، حتى وإن كان هو في حاجة إلى ما يعطيه، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى:
“ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة” [الحشر: 9].
مظاهر العطاء في الإسلام
الإسلام جعل من العطاء والصدقة بابًا واسعًا للخير، يُمكن لكل مسلم أن يدخل منه، مهما كانت إمكاناته وظروفه. لم يربط الدين الحنيف الصدقة بالمادة فقط، بل وسّع معناها لتشمل كل قول وفعل يُسهم في تخفيف المعاناة عن الآخرين أو رسم الابتسامة على وجوههم.
ومن أبرز صور العطاء في الإسلام:
1. التبرع المالي
يُعد من أكثر أنواع الصدقة انتشارًا، حيث يقدّم المسلم المال للمحتاجين، سواء لتأمين احتياجاتهم اليومية أو لدعم المشاريع الخيرية والإنسانية، مثل كفالة الأيتام أو علاج المرضى.
2. إطعام الطعام
قال النبي ﷺ: “أَفْضَلُ الأَعْمَالِ أَنْ تُدْخِلَ السُّرُورَ عَلَى أَخِيكَ، تُشْبِعَ جَوْعَتَهُ، أَوْ تَكْسُوَ عَوْرَتَهُ…”، ومن أجمل صور ذلك: إعداد وجبات للفقراء، أو المساهمة في موائد الإفطار، لا سيما في شهر رمضان المبارك.
3. سقيا الماء
من أعظم القربات، وقد ورد أن رجلًا سقى كلبًا فشكر الله له فغفر له. ويشمل ذلك حفر الآبار، أو توفير خزانات المياه، أو حتى توزيع المياه الباردة في الطرقات والمرافق العامة.
4. التبرع بالملابس
بتقديم الملابس النظيفة والمستعملة أو الجديدة للمحتاجين، يُحسّن المسلم من حياة الآخرين، ويمنحهم كرامة العيش الكريم.
5. الصدقة الجارية
وهي التي يستمر نفعها حتى بعد وفاة المتصدق، مثل بناء مسجد، أو مدرسة، أو حفر بئر، أو دعم مشروع تعليمي أو صحي دائم.
6. الكلمة الطيبة والمساعدة بالجهد
قال النبي ﷺ: “لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”، فالكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة، والمساعدة البدنية، كلها ألوان من العطاء لا تقلّ أهمية عن المال.
العطاء… ليس حكرًا على الأغنياء
ما يُميز العطاء في الإسلام، أنه لا يُشترط الغنى للمشاركة فيه. فبإمكان كل مسلم، بحسب قدرته، أن يكون معطاءً. فربّ ابتسامة تواسي قلبًا مكسورًا، وربّ كلمة تشفي جرحًا غائرًا، وربّ مساعدة صغيرة تُحدث فرقًا كبيرًا في حياة إنسان.
ختامًا
الحب والعطاء لا يُقاسان بالماديات، بل بحجم الصدق الذي يسكن القلب، والنية التي تُرافق الفعل. فحين نُعطي من أعماقنا، نُسهم في بناء مجتمع متراحم، وتتحقق معاني الأخوة والإنسانية التي دعا إليها الإسلام. فلنكن من الذين يُحبون الخير للناس كما يحبونه لأنفسهم، ولنحرص على أن نكون مصدر أمل ودفء لكل من حولنا





