والأحساء كما هو معروف عنها منذ غابر الزمن ليست فقط أرضاً خصبةً صالحةً لاستزراع مختلف النباتات التي تنتج أجود الثمار وأشهاها وواحةً تضم بين ذراعيها النخيل والأشجار والخمائل والأدواح والرياض الغنَّاء وتجثم على بحرٍ من المياه المخزونة التي تفيض منها العيون بمياهٍ عذبةٍ رقراقة بل هي إلى جانب هذا كله واحة علمٍ وأدبٍ منذ قديم الزمن حيث اخضوضر الأدب على ثراها وتهلَّل الشعر تحت ظلال نخيلها وفاض العلم من بين أرجائها حتى أضحت قبلةً يحج إليها أقطاب النهضة العلمية والأدبية بالجزيرة العربية فقد احتضنت عبر تاريخها العريق كما ورد في كتاب (تحفة المستفيد) من أعلام الأدب والشعر وأساطين العلم والمعرفة ما قل أن عرفته منطقة أخرى في العالم العربي وأشار مؤلفه الشيخ محمد العبدالقادر يرحمه الله إلى أن قس بن ساعده الأيادي كان من أبناء هجر وكان مما ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل قائلاً : أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي فقال الجارورد : كلنا نعرفه يارسول الله وأنا من بينهم كان قس سبطاً من أسباط العرب تعفَّر في البراري والقفار يضج بالتسبيح على مثال المسيح لا يقره قرار ولا تكنه دار ولا يستمتع به جار فعقَّب الرسول قائلاً: مهما نسيت فلن أنساه بسوق عكاظ واقفاً على جملٍ يخطب الناس فيقول : اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آتٍ آت ليل داج وسماء ذات أبراج وبحار ذات لجاج إن في الأرض لعِبَرا وفي السماء لخَبَرا أقسم قس لا حانثاً ولا آثماً أن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه وهذا زمانه وأوانه ثم قال : مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا ؟ أم تُركوا فناموا ؟ ثم قال الرسول:(رحم الله قساً إنه سيبعث يوم القيامة وحده) ويستنتج العبدالقادر من ذلك أن معرفة الوفد الوثيقة بقس بن ساعده دليل على أنه كان من أبناء الأحساء.
كما ترعرع في أحضانها نفر من عمالقة شعراء العربية وأفذاذها منهم المثقب العبدي وهو عائد بن محصن بن ثعلبة من بني عبد القيس المتوفى في السنة السابعة للهجرة ومن أشهر شعرائها الصلتان العبدي ذكر عنه البغدادي في (خزانة الأدب) أن اسمه قثم بن خَبيَّة ومن أشهر شعراء الأحساء الجاهليين طرَفة بن العبد المتوفى قبل هجرة الرسول عليه السلام بثلاثين عاماً كان من شعراء المعلقات وقد كتبت معلقته بماء الذهب وعلقت على جدار الكعبة وكان منهم الممزَّق العبدي وعمرو بن قميئة وزياد الأعجم ومن أشهر شعراء الأحساء في القرن السادس الهجري علي بن المقرب العيوني واسمه جمال الدين أبو عبدالله العيوني كان أبوه قائداً من قادة الدولة العيونية وكان ابن المقرب من شعراء القمة في جزيرة العرب تناول مفاخر قومه وأشاد بتاريخهم المشرق ومن أعلام الأحساء وعلمائها الشاعر الشيخ إبراهيم بن حسن الأحسائي الحنفي المتوفى سنة 1048هـ ومنهم الأمير أبو بكر بن علي الباشا الذي ولد في الأحساء وتعلم فيها ثم آثر الإقامة في المدينة المنورة بغية العبادة توفي سنة 1076 هـ وله شعر كثير ومنهم خليل الأحسائي الذي ذاع صيته واشتهر بعلمه وأدبه ومنهم السيد علوي الهجري الذي قال المحب في وصفه: شاعر هجر ومنطيقها ومن أعلامها الشيخ عبدالله بن علي العبدالقادر الذي يرجع نسبه إلى أيوب الأنصاري وكذلك الشيخ أبو بكر بن عمر الملا المولود سنة 1198هـ حفظ القرآن الكريم وعمره عشر سنواتٍ وتلقى العلم من شيوخ الأحساء وعلمائها توفي سنة 1270هـ ومنهم الشيخ أحمد بن علي بن حسن بن مشرف وعدد كبير من الشعراء والأدباء والعلماء تهللت لهم الأحساء وازدانت بهم عبر العصور.
ولا تزال بفضل الله حتى عصرنا الحاضر معيناً للأدب وروضةً للثقافة الأصيلة وشلالاً للعطاء العلمي والأدبي المتدفق فلم تعقم قط عن إنجاب العلماء والأدباء والمفكرين والمثقفين وطلاب العلم لذا كان من الطبيعي أن يتمخض عن ذلك ظهور مجالس العلم والأدب وحلقات الدروس الدينية التي تنعقد في المساجد والمدارس ودور العلم بربوعها فكانت تؤدي دَور المؤسسات التعليمية الحكومية في تعزيز وازدهار الحركة العلمية في المنطقة قديماً إلا أنه خلال فترةٍ وجيزةٍ انجرف الناس مع تيار الحياة والتهوا في مشاغلها عن الاهتمام بتلك العادة الحميدة فأخذت المجالس والدور العلمية تتناقص حتى كادت أن تنعدم ولكن أصالة أبناء هذه المنطقة أبت إلا أن تبعثها من جديدٍ فظهرت الحلقات الدينية مجدداً في المساجد والمنازل بين الشبيبة المتدينة وواكبها ظهور المجالس الأدبية والثقافية التي تعقد المحاضرات المتنوعة والأمسيات الأدبية.
سفير النوايا الحسنة
أديب وإعلامي




