كنت أظن أن النشاط الذي أحببته منذ أكثر من خمسة عقود سيظل ملاذي الأول، وملجئي من ضغوط الحياة، والهواء الذي أتنفسه كلما ضاقت بي الدنيا ، كنت أمارسه بشغف لا يوصف، أترقب لحظاته، وأغوص فيه بكل ما أملك من حب ، فمنذ طفولتي لم أفارق النشاط الكشفي، مررت بجميع مراحله، ومع كل مرحلة كان عشقي يكبر وتمسكي به يزداد، حتى صرت لا أتصور حياتي خارجه.
لكن مع الأيام، وخاصة في هذه المرحلة، بدأت ألحظ شيئًا غريبًا يتسلل إلى داخلي .. فتور غير مألوف، وصراع نفسي أثقلني ، لم يعد الحماس كما كان، وصار الملل يطرق الباب ثم يدخل ببطء ، تساءلت بيني وبين نفسي .. كيف يمكن أن أملّ من شيء أعشقه.. ؟ هل انتهى الشغف.. ؟ هل فقدت جزءًا من هوايتي.. ؟ أسئلة كثيرة، وإجاباتها ما زالت غائبة.
أدركت بعد تفكير طويل أن المشكلة ليست في النشاط بحد ذاته، بل في أسلوبي معه ، الروتين قتل المتعة، وتكرار التفاصيل أطفأ البريق ، لم أعد أضع أهدافًا جديدة، ولا أبحث عن تحديات مختلفة جسدي وعقلي أنهكتهما دون أن أترك لهما مجالًا للراحة ، والمحيط من حولي بات يكرر نفس المشاهد.. أنشطة وأحداث وضجيج إعلامي، أكثر من أثر ملموس يترك بصمته على الممارس.
وقفت مع نفسي وقررت أن أستعيد ما ضاع ، حاولت أن أكسر الروتين، وأن أغيّر أسلوبي ، بدأت بأهداف صغيرة، ثم أكبر، لأعيد إشعال التحدي ، شاركت آخرين يملكون نفس الاهتمام، فاكتشفت أن المشاركة تُضاعف الحماس. وحتى عندما أثقلني الحمل، منحت نفسي فرصة للتوقف قليلًا لأعود بطاقة أنقى ، ومع ذلك ظل الصراع قائمًا بين رغبة في التوقف وشغف يدفعني للاستمرار، وكلاهما يضغط بثقله على قلبي.
وكانت الصدمة حين أدركت أنني ربما أبالغ في تقدير الأمور، فمع كل الحب والوفاء الذي أعطيته، كان شعور التعب النفسي يتسلل إليّ .. لم أعد أستطيع تجاهل الحقيقة ، فقد أصبح هذا النشاط يثقل كاهلي، وكأن معشوقتي التي طالما أحببتها صارت تلقي عليّ عبئها بدل أن تمنحني السعادة.
اليوم أقف على مفترق طرق، أرى بدائل تلوح في الأفق .. العمل التطوعي، الإعلام، السفر والترحال، والإرشاد السياحي... كلها خيارات قادرة أن تملأ فراغي، وتُنسيني معشوقتي التي فقدت وهجها ، أعلم أن القرار لن يكون سهلاً، لكن قلبي يدعوني لأن أبحث عن حياة أخف، تجربة جديدة تمنحني الحماس والحرية التي افتقدتها، وتعيد لي شعور الشغف الذي أحببت منذ الصغر.
أدركت أن الملل ليس نهاية الطريق، بل جرس تنبيه يخبرني أن أعيد ترتيب علاقتي بما أحب ، الشغف لا يموت، لكنه مثل النبتة؛ يحتاج دائمًا إلى رعاية وتجديد ليزهر من جديد .. وإن لم أتجاوز هذه المرحلة، فسأمضي – بلا تردد – نحو قرار صعب، لكنه سيكون بداية جديدة تقودني نحو حياة أفضل، هذا علمي وسلامتكم






التعليقات 2
2 pings
Ahlam
04/09/2025 في 3:06 ص[3] رابط التعليق
تعبير صادق .. كم سألت نفسي عن هذا الفتور وللامبالاه وجدت الإجابة في مقالك ضحيج إعلامي بعيدا عن أحداث شئ فعلي علي الواقع .. دام آلق قلمك
محمد برناوي
04/09/2025 في 8:22 ص[3] رابط التعليق
اشكر ردك الانيق وانت خير من يتزوق الحديث النابع من القلب دمتي ملهمه دائما