اَلطَّالِبُ هُوَ اَلْمَحْوَرُ اَلْأَسَاسُ فِي اَلْعَمَلِيَّةِ اَلتَّعْلِيمِيَّةِ، وَهُوَ جُزْءٌ مُهِمٌّ مِنْهَا. وَبِمُنَاسَبَةِ بَدَايَةِ اَلْعَامِ اَلدِّرَاسِيِّ اَلْجَدِيدِ، إِلَيْكُمْ هَذِهِ اَلْوَصَايَا اَلْمُخْتَصَرَةَ، سَائِلِينَ اَللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَامًا دِرَاسِيًّا مُتَوَّجًا بِالتَّوْفِيقِ وَالْعَوْنِ وَالْبَرَكَةِ وَالسَّدَادِ وَالتَّيْسِيرِ.
اَلْوَصِيَّةُ اَلْأُولَى:
🌺 اِعْلَمْ أَنَّ طَلَبَ اَلْعِلْمِ عِبَادَةٌ وَقُرْبَةٌ إِلَى اَللَّهِ.
قَالَ اَلْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اَللَّهُ: «اَلْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ».
وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلَّا بِتَقْوَى اَللَّهِ فِي اَلسِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَمُرَاقَبَتِهِ فِي جَمِيعِ اَلْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، مَعَ لُزُومِ اَلْإِخْلَاصِ فِي طَلَبِ اَلْعِلْمِ، إِذْ هُوَ شَرْطُ قَبُولِ اَلْعَمَلِ.
وَاَلْإِخْلَاصُ: تَصْفِيَةُ اَلْعَمَلِ مِنْ جَمِيعِ اَلشَّوَائِبِ اَلَّتِي تُفْسِدُهُ. قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى:
﴿ أَلَا لِلَّهِ اَلدِّينُ اَلْخَالِصُ ﴾ [اَلزُّمَرِ: ٣].
وَالْمَقْصُودُ: أَنْ يَكُونَ طَلَبُكَ لِلْعِلْمِ خَالِصًا لِلَّهِ، تَرْجُو ثَوَابَهُ وَرَفْعَ اَلْجَهْلِ عَنْ نَفْسِكَ، مَعَ تَنْقِيَتِهِ مِنَ اَلرِّيَاءِ وَالنِّفَاقِ، وَأَلَّا تَقْصِدَ بِهِ شُهْرَةً أَوْ مَغْنَمًا دُنْيَوِيًّا.
وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ أَنَّ اَلنَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اَللَّهِ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ اَلدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ اَلْجَنَّةِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ». أَيْ رِيحَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
اَلْوَصِيَّةُ اَلثَّانِيَةُ:
🌺 اِحْرِصْ عَلَى وَقْتِكَ، فَهُوَ أَثْمَنُ مَا تَمْلِكُ، وَسَتُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ: كَيْفَ أَنْفَقْتَهُ؟
فَاشْغَلْ وَقْتَكَ فِي طَلَبِ اَلْعِلْمِ، وَحِفْظِ اَلْمُتُونِ، وَمُدَارَسَتِهَا، مَعَ اَلْعِنَايَةِ بِحِفْظِ اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ وَكَثْرَةِ تَكْرَارِهِ.
قَالَ اَلشَّيْخُ حَافِظُ اَلْحَكَمِيُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ:
«فَلَا يُمِلَّنَّكَ مَا تَكَرَّرَا … لَعَلَّهُ يَحْلُو إِذَا تَقَرَّرَا».
وَمِنْ عَلَامَاتِ حِفْظِ اَلْوَقْتِ: اَلْجِدُّ وَالِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ اَلْعِلْمِ، مَعَ تَذَكُّرِ مَا أَعَدَّهُ اَللَّهُ لِطَالِبِ اَلْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ.
قَالَ اَلشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ: «إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ قَرَنَ اَلْعُلَمَاءَ فِي كِتَابِهِ بِنَفْسِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ: ﴿ شَهِدَ اَللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو اَلْعِلْمِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٨]».
فَاَلْوَقْتُ هُوَ اَلْحَيَاةُ، وَهُوَ رَأْسُ اَلْمَالِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ اَلْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ: «أَجَلُّ تَحْصِيلٍ عِنْدَ اَلْعُقَلَاءِ بِإِجْمَاعِ اَلْعُلَمَاءِ هُوَ اَلْوَقْتُ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ تُغْتَنَمُ فِيهَا اَلْفُرَصُ، فَاَلتَّكَالِيفُ كَثِيرَةٌ، وَالْأَوْقَاتُ خَاطِفَةٌ».
اَلْوَصِيَّةُ اَلثَّالِثَةُ:
🌺 اِجْعَلْ مَا تَتَعَلَّمُهُ مُطَبَّقًا فِي حَيَاتِكَ.
قَالَ اَلْحَسَنُ اَلْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ: «كَانَ اَلرَّجُلُ إِذَا طَلَبَ اَلْعِلْمَ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ يُرَى ذَلِكَ فِي بَصَرِهِ، وَتَخَشُّعِهِ، وَلِسَانِهِ، وَيَدِهِ، وَصَلَاتِهِ، وَزُهْدِهِ».
وَقَالَ سُفْيَانُ اَلثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ: «قَالَتْ لِي وَالِدَتِي: يَا بُنَيَّ لَا تَتَعَلَّمِ اَلْعِلْمَ إِلَّا إِذَا نَوَيْتَ اَلْعَمَلَ بِهِ.»
ثُمَّ قَالَ: «اَلْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَلَ.»
اَلْوَصِيَّةُ اَلرَّابِعَةُ:
🌺 اِحْذَرِ اَلْمَيْلَ مَعَ اَلْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ، وَالتَّعَصُّبَ اَلْمَذْمُومَ.
وَاَلْوَاجِبُ: اَلِاعْتِصَامُ بِمَنْهَجِ اَلسَّلَفِ، وَالدَّعْوَةُ إِلَيْهِ، وَلُزُومُ غَرْزِ اَلسُّنَّةِ وَأَهْلِهَا، مَعَ تَرْكِ فُضُولِ اَلْقَوْلِ، وَالِاقْتِدَاءِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ اَلصَّحَابَةُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ اَلْهَادِي اَلْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ: «مَا تَحَلَّى طَالِبُ اَلْعِلْمِ بِشَيْءٍ أَحْسَنَ مِنَ اَلْإِنْصَافِ وَعَدَمِ اَلتَّعَصُّبِ.»
وَقَالَ الشيخ بن سَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ: «اَلْحَذَرَ اَلْحَذَرَ مِنَ اَلتَّعَصُّبِ لِلْأَقْوَالِ وَالْقَائِلِينَ؛ فَإِنَّ اَلتَّعَصُّبَ مُذْهِبٌ لِلْإِخْلَاصِ، مُزِيلٌ لِبَهْجَةِ اَلْعِلْمِ، مُعْمٍ لِلْحَقَائِقِ، فَاتِحٌ لِأَبْوَابِ اَلْخِصَامِ وَالْحِقْدِ. كَمَا أَنَّ اَلْإِنْصَافَ زِينَةُ اَلْعِلْمِ، وَعُنْوَانُ اَلْإِخْلَاصِ وَالنُّصْحِ وَالْفَلَاحِ.»
اَلْوَصِيَّةُ اَلْخَامِسَةُ:
🌺 اِلْزَمِ اَلْعُلَمَاءَ اَلرَّبَّانِيِّينَ اَلرَّاسِخِينَ فِي اَلْعِلْمِ، وَارْجِعْ إِلَيْهِمْ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ، وَخُصُوصًا فِي اَلْعِلْمِ اَلشَّرْعِيِّ، فَهُوَ اَلطَّرِيقُ اَلْأَمْثَلُ لِطَلَبِ اَلْعِلْمِ.
قَالَ اَلْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اَللَّهُ: «إِنَّ هَذَا اَلْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ.»
اَلْوَصِيَّةُ اَلسَّادِسَةُ:
🌺 اِحْرِصْ عَلَى اِخْتِيَارِ اَلصَّدِيقِ اَلصَّالِحِ، اَلَّذِي عُرِفَ بِالدِّينِ وَالْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَحُسْنِ اَلْخُلُقِ.
قَالَ اَلنَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّمَا مَثَلُ اَلْجَلِيسِ اَلصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ اَلسُّوءِ كَحَامِلِ اَلْمِسْكِ وَنَافِخِ اَلْكِيرِ؛ فَحَامِلُ اَلْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ اَلْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً.»
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
وَفَّقَكَم اَللَّهُ، وَزَادَكَم مِنْ فَضْلِهِ.




