يُعدّ كبار السنّ صفحة مضيئة من تاريخ الأسرة والمجتمع، فهم الذين بذلوا أعمارهم في سبيل البناء والتربية والعمل والعطاء، حتى غدوا قدوةً وخزّانًا للتجارب والحكمة. ومن هنا جاءت عناية الإسلام العظيمة بهم، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا». فالرحمة بالصغار والتوقير للكبار ليست مجرد أخلاق اجتماعية، بل هي من صميم الإيمان وتمام الانتماء لهذه الأمة.
إن احترام كبار السنّ لا يقتصر على الكلمات الطيبة أو المجاملة العابرة، بل يمتد إلى رعاية شاملة تشمل الجوانب الجسدية والصحية والعاطفية. فهم يحتاجون إلى من يُحسن الاستماع إليهم، ويشاركهم الحديث، ويشعرهم بقيمتهم ودورهم، تمامًا كما كانوا هم في شبابهم يمدّون من حولهم بالحب والاهتمام والدعم.
ويأتي اليوم العالمي للتوعية ضد إساءة معاملة كبار السن، الذي يوافق الخامس عشر من يونيو من كل عام، ليذكّر العالم أجمع بأن هناك آباءً وأمهات وأجدادًا قد يُعانون من الإهمال أو التجاهل أو حتى الإساءة، في حين أنهم الأحق بالرحمة والوفاء. إن تخصيص يوم عالمي لهم هو نداء إنساني عالمي، لكنه في الإسلام قيمة متجذرة على مدار العمر، لا تُختزل في يوم أو مناسبة.
كبار السن هم الذاكرة الحية للمجتمعات، يحملون بين طيات أعمارهم دروس الماضي وتجارب الحياة، ويضيئون للجيل الحاضر طريقه، فهم الجسر الذي يصل بين الأمس والغد. وقد أمر الله تعالى بحفظ حقوقهم، فقال:
«وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» [البقرة: 237].
إن برّهم واحترامهم هو وفاء لعطائهم، واعتراف بفضلهم، وامتداد لقيمة إنسانية عظيمة، تجعل المجتمعات أكثر رحمة وتماسكًا.
فلنكن جميعًا أوفياء لأجدادنا وآبائنا، ولنزرع في أبنائنا قيمة توقير الكبير وبرّ المسنّ، فهي ميراث إنساني وإسلامي خالد، يرفع من شأن الأمة ويعكس صورتها الحضارية.
يُعد كبار السن بركة البيت ومخزن الخبرة والحكمة،





