في وقت تتسارع فيه وتيرة التغيير في أساليب التعليم وتتصاعد الحاجة إلى تجارب تعليمية أكثر حيوية وتفاعلية، تبرز الرحلات المدرسية الطلابية كواحدة من الوسائل المهمة في بناء شخصية الطالب وتنمية معارفه وتوسيع مداركه، بعيدًا عن أساليب التعليم التقليدية.
الرحلة المدرسية ليست مجرد نزهة أو فسحة خارج المدرسة، بل هي امتداد للتعلّم، وفرصة للطالب لاكتساب مهارات حياتية وسلوك ومعلومات واقعية يصعب تلقينها في قاعة الدرس. فعندما يزور الطلاب مرافق مدينتهم من متاحف، ومصانع، ومؤسسات حكومية، ومراكز بحثية، فإنهم لا يكتفون بالمشاهدة، بل يعيشون التجربة، ويبدأون في ربط ما يتعلمونه نظريًا بالواقع العملي.
بل تمتد أهمية هذه الرحلات إلى ما هو أبعد من المدن التي يقطن فيها الطلاب، لتشمل زيارات إلى مناطق أخرى داخل الوطن، بما فيها من اختلاف في التضاريس والثقافات والعادات الاجتماعية. ومن هنا، تساهم الرحلات في ترسيخ مفهوم تقبّل الآخر، وتعزيز روح المواطنة والانتماء، والتعرف على تنوع الوطن وغناه.
ومن غير المنطقي أن يقضي الطالب ما يقارب 12 عامًا في التعليم العام، دون أن تتاح له فرصة واحدة لخوض تجربة تعليمية خارج جدران المدرسة. فالرحلات تكسر الروتين اليومي، وتجدد النشاط، وتفتح أمام الطالب آفاقًا جديدة لاكتشاف ذاته ومجتمعه ووطنه، مراعين في ذلك أعمار الطلاب وحاجاتهم والأماكن المتاحة والمناسبة والآمنة والإمكانات المتاحة للمدرسة.
إن اعتبار هذه الرحلات ترفًا أو من الكماليات يُعد فهمًا قاصرًا لدورها. فهي ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل ضرورة تعليمية وتربوية، تساهم في تعزيز الثقة بالنفس، وتطوير مهارات التواصل، والتعلم من خلال التجربة والملاحظة والمشاركة الفعلية.
ولعل من أبرز الآثار الإيجابية لتلك الرحلات، تعزيز الانتماء الوطني، فحين يرى الطالب بأمّ عينه المشاريع العملاقة والإنجازات الوطنية، يشعر بالفخر والاعتزاز، ويدرك أن وطنه يسير بخطى واثقة نحو التنمية والتطور. كما يكوّن صداقات أعمق، ويبني ذكريات خالدة مع زملائه ومعلميه، تزيد من حبه للمدرسة والدراسة، ويتعرف على بيئته ومكوناتها ليكتسب الوعي البيئي وكيفية الحفاظ عليها والتعامل معها والدفاع عنها وتنميتها .
وقد اطّلعت على تجارب رائعة محلية وعالمية، خاصة في الدول الأوروبية، التي تبدي اهتمامًا كبيرًا بهذا الجانب، حيث تشاهد مجموعات كبيرة من الطلاب في المطارات تستطيع تمييزهم من خلال زيهم الموحد ، يجوبون البلدان بهدف التعلم والاستكشاف، وسط دعم وتخطيط واضح من الجهات التعليمية.
من هذا المنطلق، أناشد المسؤولين بإعادة النظر في الرحلات المدرسية، ومنحها مساحة أكبر ضمن الخطط التعليمية، وتوفير الدعم اللازم لتنفيذها على نطاق واسع، وبشكل منظم ومدروس. كما ينبغي أن تُدرج هذه الرحلات ضمن الأنشطة الأساسية للمدارس، وتُنفذ بشكل إلزامي ومتكرر، ليتمكن جميع الطلاب من الاستفادة منها، خاصة في المدارس ذات الإمكانات المحدودة أو الواقعة في القرى والهجر.
الرحلات المدرسية ليست ترفًا، بل جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية، واستثمار في بناء أجيال أكثر وعيًا، وانفتاحًا، واعتزازًا بوطنها. فلنعمل جميعًا — مؤسسات وأسرًا ومجتمعات — على دعم هذا التوجه، وتوفير بيئة تعليمية أكثر تفاعلاً واتساعًا.
ــــــــــــ
obaid5251@





