هكذا هي الدنيا… مولودٌ نفرح بقدومه، ومتوفى نحزن لرحيله.
لكن رحيل أبا إبراهيم لم يكن رحيلًا عاديًا، ولم يكن فراقًا ممهَّدًا بمرضٍ هيّأ نفوسنا لاستقباله فنقول: “رحمة وراحة له بعد عناء.”
لا، لم يكن ذلك بو إبراهيم.
فجر الجمعة حمل لنا فاجعةً موجعة، تهوّرُ شبابٍ أودى بحياة رجلٍ أحبَّه الجميع، فكان الألم موجعًا لبلدةٍ بأكملها، والصدمة ثقيلة على مجتمعٍ لم يعتد مثل هذه الكوارث.
يا لها من صدمةٍ داهمت الجشة، ويا له من فجرٍ مؤلمٍ أبكى القلوب قبل العيون!
كيف تلقت بيوتنا هذا الخبر الأليم؟
وكيف استطاع الناس استيعاب رحيلك المفاجئ في يومٍ مباركٍ كيوم الجمعة؟
هكذا ترحل النفوس الطاهرة في الأيام المباركة، تاركةً خلفها وجعًا لا يُنسى.
قضيت عمرك محبًا للجميع، حاضِرًا في كل واجبٍ وموقفٍ إنساني.
ما من مريضٍ إلا زرتَه،
ولا من عزاءٍ إلا كنتَ أول الحاضرين،
ولا من فرحٍ إلا كنتَ تسعى لرسم البهجة فيه.
قدِمت مبتسمًا… ورحلت مبتسمًا.
صورتك لا تفارق أذهاننا، وضحكتك باقية في قلوبنا.
اتفق الجميع على طيبتك وصفاء قلبك، وعلى أنك كنتَ نِعم الأخ والصديق.
رحلت يا محمد، لكن لم ترحل سيرتك العطرة،
فقد تركت أثرًا خالدًا في نفوس الناس،
ورسمت مواقفك الجميلة أبهى صور الوفاء والعطاء.
فبيوت الجشة كلها اليوم بيت عزاء،
تبادرت بالمواساة حبًا لك، ووفاءً لمواقفك الكريمة.
الآن لا نملك لك إلا الدعاء:
اللهم اجعل قبره روضةً من رياض الجنة، وابدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقّه من الذنوب كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس.
بقلمٍ يملؤه الألم،
عن أهلك وناسك ومحبيك،
أنور عبدالله المليفي




