في زمن صارت فيه الأسر تتزين بالمظاهر وتخفي خلف الابتسامات الزائفة جروحا غائرة تسلّل إلى البيوت سلاحٌ أخطر من الحروب
إنها القنبلة الذرية العائلية تلك التي لا تُفجَّر بالبارود بل بالكلمة.
تبدأ الحكاية حين يأتي أحد الأبناء إلى أمه أو أبيه متوشّحًا ثوب البرّ والنصح فيقول
يا أمي أتعلمين ماذا فعلت أختي؟
أبي هل سمعت بما قال أخي لزوجته واين سافر بها بدون أن يخبرنا ووووو
ثم يُسهب في الحديث وينقل الأخبار ويختبئ خلف شعار الاهتمام والبر والحرص على الأسرة بينما في الحقيقة هو ينفث غيبته ونميمة تُشعل النار في جسد البيت.
وهنا تقع الكارثة الكبرى
حين تُصغي الأم أو يتفاعل الأب ويُصدّق الكلام دون تثبّت أو يفتح الباب لمزيد من الحكايات يكون قد أطلق أول شرارة في قلب البيت.
وما إن تتكرر هذه المشاهد حتى يبدأ الانفجار الهادئ
تتآكل الثقة تضعف المحبة وتتحول العلاقة بين الإخوة من دفء ومودة إلى حذر وصمت وريبة
حينها يصبح البيت كالكأس المكسور قد نحاول لصقه لكنه لن يعود كما كان.
إن الغيبة داخل الأسرة ليست مجرد ذنب بل جريمة في حقّ الروح العائلية.
فإذا كانت الغيبة بين الغرباء تُفسد القلوب فكيف بها بين أمٍّ وولدها أو بين أختٍ وأخيها
إنها كمن يزرع لغمًا في قلب البيت لا ينفجر في لحظته لكنه حين يفعل يذرّ رماد العلاقات في كل اتجاه.
وحين نصل إلى تلك المرحلة سيبقى بيننا سلام ظاهريّ وابتسامات أمام الضيوف لكن من الداخل سنكون أشلاءً عاطفية نعيش معًا بالأسماء لا بالأرواح نجتمع في المائدة ولا نجتمع في القلب.
فيا أيها الآباء والأمهات
احذروا أن تكونوا آذانًا للغيبة داخل بيوتكم فإنكم بذلك تهدمون ما تبنونه من حبٍّ في سنوات.
ويا أيها الأبناء والبنات
اعلموا أن من يذكر أخاه بسوء لا يُصلح بل يُفسد وأن البرّ الحقيقي هو أن تُصلح بين إخوتك لا أن تشعل بينهم نار الفُرقة.
فلنعد جميعًا إلى التوبة والستر ولنغلق أبواب الغيبة التي تدمر البيوت كما تُدمّر القنابل المدن.
ولنتذكر قول الله تعالى:
﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات: 12]
فلعلنا إن صدقنا التوبة عادت بيوتنا تنبض حبًّا وصارت محاضن أمانٍ لا حقول ألغام.




