هناك أشخاص يعبرون حياتنا فيتركون فيها أثرًا لا يُمحى، ويمضون إلى ربهم تاركين خلفهم من الحزن بقدر ما تركوا من المحبة ، هكذا كان الرائد الكشفي زيد بن سيف البتال – رحمه الله – رجلًا بسيطًا في ظاهره، كبيرًا في جوهره، نقي السيرة، طيب القلب، غزير العطاء، لا تعرفه إلا محبًا ولا تجالسه إلا وخرجت بقلبٍ ألين وذكرى أجمل.
منذ الإعلان عن خبر وفاته، اشتعلت مجموعات الواتساب ومنصات التواصل الاجتماعي برسائل الحزن والدعاء، ليس في الوسط الكشفي وحده، بل في الأوساط التربوية والاجتماعية على امتداد المملكة. كانت موجة صادقة من الوفاء والدموع والدعاء… فالناس شهود الله في أرضه، وما أجمعوا على حب رجل إلا لصفاء سريرته وحسن عمله.
تعود بي الذاكرة إلى لحظات جمعتني بهذا الرجل الكريم، لحظات أصبحت اليوم كالمشاهد في فيلم يعاد أمامي بوضوح مؤلم ، تشرفت بزيارة منزله ثلاث مرات متتالية، كانت كل زيارة منها درسًا جديدًا في الكرم والتواضع وحسن الضيافة.
في الزيارة الأولى…
استقبلنا على مائدة إفطار عامرة، وكأننا أبناء بيته لا ضيوفه. كان بشوشًا، حاضرًا، يعامل كل من حوله بعطف أبوي.
وفي الزيارة الثانية…
كنا قد أمضينا يومًا شاقًا، وكان – رحمه الله – في فترة نقاهة، ورغم ذلك أصر على أن نستريح في منزله، ثم قدّم لنا القهوة بنفسه، بابتسامة تُشعرك بأنك تثقل عليه وهو – في الواقع – يراك فضلًا من الله جاء ليأنس به.
أما الزيارة الثالثة…
فكانت في استراحته الخاصة، حيث تكلف – رحم الله روحه – في إعداد عشاء خاص لنا، وكأننا الضيوف الوحيدون الذين يمرون في حياته. كان حضوره دافئًا، وكلماته بسيطة لكنها تلامس القلب.
أتساءل اليوم:
لماذا كان أبو فهد يفعل كل ذلك؟
لماذا يستقبل كل قادم إلى العاصمة الرياض – قريبًا كان أم بعيدًا – بهذه الحفاوة؟
ربما لأن الكرم جزء من فطرته، ولأن النبل خُلقٌ لا يتصنّعه إلا أصحابه.
ربما لأنه كان يحمل قلبًا كبيرًا يرى في الضيف بركة، وفي الإحسان عادة لا يتخلّى عنها ، وربما لأنه رجل خُلق ليكون مختلفًا… وقد كان.
رحم الله الأخ والصديق والزميل زيد بن سيف البتال.
كان لي شرف العمل مع شقيقه في الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وكان يحدثني عنه حديثًا عميقًا ملؤه الفخر. واليوم أدرك أن كل ما قاله كان حقيقة تامة عن هذا الرجل الطيب.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتغمدة بواسع رحمته، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وأن يجزيه عن كل إحسان أحسن الجزاء.
كما قيل … " ذهب الرجل وبقي ذكره، وذكر الطيب لا يموت." ، حمك الله يا أبا فهد، وجعل ما تركته من أثر شاهدًا لك لا عليك.





