لن يجد المتابع الدقيق للأحداث من أي مكان في العالم صعوبة تذكر في تأكيد حقيقة واضحة كالشمس في رابعة النهار مفادها أن الرياض باتت مركزاً رئيساً لفعاليات ومؤتمرات عالمية، مما يرسخ مكانة المملكة العربية السعودية الرائدة عالمياً كـ "رقم فاعل" في معادلة التطور والتنمية على خارطة العالم.
ومؤخراً، اتجهت أنظار العالم إلى الرياض مجدداً باستضافتها الدورة الحادية والعشرين للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "اليونيدو"، وهو التجمع الدولي الهائل الذي وصفه "غيرد مولر" المدير العام للمنظمة بأنه "الأكبر من نوعه على الإطلاق" بمشاركة غير مسبوقة لأكثر من 5000 ضيف، وذلك تحت شعار: "قوة الاستثمار والشراكات في تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة".
ولأن العالم يشهد اضطرابات جيوسياسية وسياسية واقتصادية كبيرة، تحولت دورة المؤتمر بالرياض إلى منصة محورية لإيجاد حلول جديدة لتأمين سلاسل الإمداد، وتعزيز التصنيع المستدام، وتحديد المسؤولية العالمية للدول الغنية نحو تمويل التعهدات المناخية ودعم الدول النامية.
وقد أظهر المؤتمر بوضوح أن المملكة تستهدف تحويل قاعدتها الصناعية إلى مركز إقليمي تصنيعي متكامل وقوي ومرن، حيث توجد بها أكثر من 800 فرصة صناعية ضمن استراتيجيات المملكة الوطنية الموجَّهة حتى عام 2035م، علماً بأن قيمة مشروعات خطوط الأنابيب القائمة والمستقبلية في المملكة تتجاوز 500 مليار دولار.
وتوافقاً مع "رؤية 2030"، تدعم خطط المملكة في هذا السياق ثلاث استراتيجيات رئيسة، وهي: التعدين وصناعة المعادن، والاستراتيجية الوطنية للصناعة، واستراتيجية التصدير، وذلك بهدف تعظيم الاستفادة من موارد المملكة الطبيعية من النفط والغاز والمعادن، وبناء صناعات تكنولوجية عالية التقنية تسهم في أمن سلاسل الإمداد العالمية.
وقد حددت المملكة أهدافاً كمية لتعميق قاعدتها الصناعية؛ إذ تقترب خطتها من مضاعفة هذه القاعدة لتشمل بناء نحو 36 ألف مصنع بحلول عام 2035م.
وفي قطاع السيارات وحده، تسير المملكة نحو إنشاء صناعة تسهم بنحو (24) مليار دولار في الناتج المحلي غير النفطي بحلول عام 2030م، مع خلق أكثر من 30 ألف وظيفة.
والأمر اللافت للنظر أن التصنيع الحديث في المملكة يتجاوز البُعد الاقتصادي ليكون "جهداً إنسانياً مشتركاً"، مع التركيز على تمكين الشباب والنساء في القطاع، وذلك من خلال تأسيس أكاديميات متخصصة (مثل: الأكاديمية الوطنية الصناعية- أكاديمية صندوق التنمية الصناعية- الأكاديمية الوطنية للمركبات) مما أدى إلى مضاعفة مشاركة المرأة في القوى العاملة الصناعية في أقل من عقد، علماً بأن المملكة قد تبنت عناصر الثورة الصناعية الرابعة (الرقمنة والذكاء الاصطناعي)، واستغلال كون نحو 60 % من سكانها تحت سن الخامسة والثلاثين، وهو الأمر الذي يضمن جاهزية القطاع الصناعي للمستقبل.
وتجدر الإشارة إلى أن المملكة حققت تقدماً لافتاً في مؤشر التنافسية العالمي "إي إم دي"؛ إذ صُنفت في المرتبة الـ (17) من بين 64 دولة، وفي المرتبة الرابعة بين دول "مجموعة العشرين".
ومن جانبه، أشاد "غيرد مولر".. المدير العام لـ "اليونيدو".. بالمملكة وتطورها المثالي في السنوات الأخيرة، وكيف تعمل الآن - بفضل "رؤية 2030"- على تنويع اقتصادها في مجالات التكنولوجيا الجديدة والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
وأخيراً.. يجب التأكيد على أن هدف قمة "اليونيدو" بالرياض قد تجاوز مرحلة الحوار، إلى مرحلة تحويل الأفكار إلى أفعال... لتكون الرياض هي المدينة الأبرز التي تتحول فيها الشراكات إلى واقع، وتُعاد فيها صياغة مستقبل الصناعة لصالح تنمية عالمية مستدامة.
ــــــــــــــــ
*رائد أعمال.





