في عالم الرياضة، تولد بعض القصص بالصدفة، بينما تُصنع أخرى بعرق الرجال وإرادتهم. وقصة نادي الطيران المدني تشبه لحظة إقلاع طائرة تختار الريح بدقة واتجاه السماء بحنكة، حيث بدأت الفكرة متواضعة، لكنها حملت حلمًا أكبر من حجمها، حتى بات اليوم على أعتاب الإشهار الرسمي في الثلاثين من نوفمبر الجاري، التاريخ المنتظر من جميع محبي الرياضة في عدن واليمن، ليشهد ميلاد نادي جديد يحمل اسم هيئة الطيران المدني ويمثل جميع مطارات الجمهورية.
بدأت الحكاية من دوري داخلي جمع أقسام الهيئة العامة للطيران المدني ومطار عدن. دوري بسيط في مظهره، لكنه كبير في أثره، حيث برزت روح جماعية لافتة وشغف يتجاوز حدود البطولة الداخلية. هناك، وسط ملاعب صغيرة وأجواء حماسية، ظهر فريق يختبر جناحيه، ويبدأ رحلة التحليق نحو ما هو أبعد من المتوقع.
وجاءت نقطة التحول مع المشاركة في دوري المؤسسات والشركات الرمضاني، البطولة الأبرز في عدن منذ سنوات طويلة. فريق الطيران المدني خاض هذه التجربة للمرة الأولى، بينما كانت الفرق الأخرى قد وصلت إلى نسختها التاسعة عشرة، محملة بالخبرات والتجارب. ورغم محدودية الإمكانيات، قرر الفريق مواجهة التحدي بروح المغامرة.
المفاجأة كانت مذهلة… الفريق لم يكتف بالمشاركة، بل حقق الانتصارات واحدة تلو الأخرى، متفوقًا على نخبة لاعبي عدن الأكثر خبرة. وعندما وصل إلى المباراة النهائية أمام فريق البريد المليء بالنجوم، خسر بضربات الترجيح فقط، لكنه اكتسب شيئًا أثمن: احترام الجمهور وإعجاب كل من تابع البطولة، ولادة حلم جماعي أصبح أكبر من مجرد بطولة رمضانية.
وراء هذا التألق كان هناك دعم حقيقي من قيادة الهيئة العامة للطيران المدني، حيث تابع رئيس الهيئة، الكابتن صالح سليم بن نهيد، الفريق خطوة بخطوة، ليس حضورًا بروتوكولياً، بل دعمًا معنويًا منح اللاعبين ثقة عالية. إلى جانبه، المهندس محمد نزيه باحُميد، الذي رأى في الفريق مشروعًا يستحق الرعاية، مصرحًا:“أنا معكم حتى نصل إلى أعلى المراتب.”
كلمة تحولت إلى خطة، والخطة إلى حقيقة تلامس اليوم أبواب الإشهار الرسمي.
ولأن النجاح لا يكتمل إلا بجهاز فني قادر على تحويل الشغف إلى أداء، تم اختيار المدرب الشاب صلاح الشبيبي، أفضل مدرب في دوري عدن الممتاز 2، بمساعدة الكابتن مروان مسعود، نجم التلال والمنتخب الوطني سابقًا. ومع طاقم إداري منضبط، تحول الفريق تدريجيًا من مجموعة موظفين إلى منظومة رياضية متكاملة، تمتلك فلسفتها وأسلوبها الخاص.
ولم يتوقف الطموح عند عدن، بل توسعت دائرة العمل لتشمل جميع مطارات الجمهورية، من خلال جولات شاقة لاختيار أفضل اللاعبين من موظفي الهيئة في مختلف المدن، وتنظيم دوريات داخلية قبل استدعاء العناصر المميزة للانضمام إلى الفريق الأساسي، ليصبح بذلك مشروعًا وطنيًا يمثل هيئة الطيران المدني بكل مطاراتها ورجالها.
واليوم، مع اقتراب الثلاثين من نوفمبر، يترقب الجميع لحظة الإعلان الرسمي عن إشهار نادي الطيران المدني، لتحويل الفكرة إلى مؤسسة والحلم إلى كيان رياضي يحق له التنافس رسميًا بين أندية اليمن. النادي لم يعد مجرد فريق، بل قصة نجاح صنعتها الإرادة، رعاها الدعم، وكبرتها الطموحات. قصة تقول إن الأحلام، حين تجد من يؤمن بها، تتحول إلى طائرات لا تتوقف عن التحليق.
وفي الأيام المقبلة، سيقف النادي على مدرج جديد… مدرج الإشهار، ليبدأ الإقلاع الحقيقي نحو سماء الكرة العدنية واليمنية، ليصبح نادي الطيران المدني علامة جديدة في سجل الرياضة اليمنية ورمزًا لما يمكن تحقيقه حين يمتزج الإخلاص بالشغف والحلم بالعمل.
إنه نادي الطيران المدني… حلم ينتظر الإقلاع رسمياً.





