يُعَدُّ الطِّيبُ مِمَّا كانَ يُحِبُّهُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم؛ فَعَن أَنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِن دُنْيَاكُمُ النِّساءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ» (رَواهُ النَّسائي).
◐ وثَبَتَ في الصَّحيحِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ لا يَرُدُّ الطِّيبَ، وروى البُخاريُّ عن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّه قالَ: «كانَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ سُكَّةٌ يَتَطَيَّبُ مِنْها»، والسُّكَّةُ: وِعاءٌ يُوضَعُ فيهِ الطِّيبُ.
أَوَّلًا : حُكمُ استِعْمالِ الطِّيبِ يَومَ الجُمُعَةِ
❐ يُستَحَبُّ لِمَن تَجِبُ عَلَيهِ صَلاةُ الجُمُعَةِ أنْ يَتَطَيَّبَ؛ فَقَد نَقَلَ ابنُ قُدامَةَ رَحِمَهُ اللهُ الاتِّفاقَ على استِحبابِهِ، وقالَ: «لا خِلافَ في استِحبابِ الطِّيبِ لِمَن أَتَى الجُمُعَةَ، وفي ذلكَ آثارٌ كَثيرةٌ صَحِيحَةٌ» المُغني (٣/٢٢٤).
◐ وعَن سَلمانَ الفارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَومَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ ما اسْتَطاعَ مِن طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِن دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِن طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي ما كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذا تَكَلَّمَ الإِمامُ، إلَّا غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى».
❐ وفي الحَديثِ حَثٌّ للنَّبِيِّ ﷺ على التَّطَيُّبِ يَومَ الجُمُعَةِ ولو بِطِيبِ أَهْلِهِ.
ثانِيًا : مَواضِعُ وَضْعِ الطِّيبِ يَومَ الجُمُعَةِ
◐ وَرَدَ استِعْمالُ الطِّيبِ يَومَ الجُمُعَةِ في ثَلاثَةِ مَواضِعَ:
① تَطييبُ المَسْجِدِ
❐ يُستَحَبُّ تَجْميرُ المَسْجِدِ بِالعُودِ يَومَ الجُمُعَةِ.
⏎ قالَ ابنُ الأَثيرِ : «التَّجْميرُ: التَّبْخورُ بِالطِّيبِ».
⏎ وقالَ الشَّعْبِيُّ: «هو سُنَّةٌ».
◐ ورَوَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها:
«أمَرَ رَسولُ اللهِ ﷺ بِبِناءِ المَساجِدِ في الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ» (رَواهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ).
❐ وعِنْدَ ابنِ ماجَه: «وَاتَّخِذوا على أَبْوابِها المَطاهِرَ، وجَمِّروها في الجُمَعِ».
◐ وكانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَأْمُرُ بِتَجْمِيرِ مَسْجِدِ المَدِينَةِ كُلَّ يَومِ جُمُعَةٍ حينَ يَنتَصِفُ النَّهارُ، وسُمِّيَ نُعَيمُ بنُ عَبدِ اللهِ «المُجَمِّرَ» لِقِيامِهِ بِذلكَ.
❐ وكانَ عَبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُبَخِّرُ الكَعْبَةَ كُلَّ يَومٍ ويُضاعِفُ الطِّيبَ يَومَ الجُمُعَةِ.
② الطِّيبُ في البَدَنِ
③ الطِّيبُ في اللِّباسِ
❐ روى البُخاريُّ ومُسْلِمٌ عن أَبي سَعِيدٍ وأَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ، وَاسْتَنَّ، وَمَسَّ مِن طِيبٍ إنْ كانَ عِندَهُ، وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيابِهِ، ثُمَّ خَرَجَ… كانَتْ كَفَّارَةً لِما بَيْنَها وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الَّتي قَبْلَها».
وقد نَقَلَ الإجماعَ على استِحْبابِ تَطييبِ البَدَنِ والثِّيابِ: ابنُ عَبدِ البَرِّ، وابنُ رُشْدٍ، وابنُ قُدامَةَ.
♦️#تَنْبيهٌ
ليسَ استِعْمالُ الطِّيبِ خاصًّا بيَومَ الجُمُعَةِ؛ بل يُستَحَبُّ في جَميعِ الأوقاتِ إلَّا للمُحْرِمِ.
◐ قالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : «أُحِبُّ ذلكَ كُلَّهُ للجُمُعَةِ والعِيدَيْنِ، وكُلِّ مَجْمَعٍ تَجْتَمِعُ فيهِ النَّاسُ، وأنا في الجُمَعِ ونَحوِها أَشَدُّ استِحبابًا».
❐ الخاتِمَةُ
فَلْنَحْرِصْ على الاقتِداءِ بالنَّبِيِّ ﷺ في هذا الخُلُقِ الفاضِلِ؛ وهو التَّجَمُّلُ والتَّزَيُّنُ لِيَومِ الجُمُعَةِ، وهو يَومٌ عَظيمٌ عندَ اللهِ، ويَجِبُ على المُسلِمينَ تَعْظيمُهُ.
❐ نَسْأَلُ اللهَ العَظيمَ أنْ يُوَفِّقَنا لِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبادَتِهِ.





