وها قد هلّ علينا شهر رجب الحرام كنسيمٍ هادئ يسبق عواصف الخير في شهر رمضان الفضيل - وبينهما شهر شعبان المبارك-، فهو أحد الأشهر الحُرُم التي عظّمها الله عز وجل في كتابه الكريم، حيث قال: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (التوبة: 36). ويعد رجب مفتاحاً لموسم العبادة، ومحطةً لتنقية القلوب والاستعداد للنفحات الربانية الكبرى.
سُمي رجب "رجبًا" لترجيب الناس له، أي تعظيمه. كما يُعرف بـ "رجب الأصم" لأنه لم يكن يُسمع فيه صليل السلاح قديماً، وأيضاً يُعرف بـ "رجب الأصب" لأن الله يصبّ فيه من الرحمة والخير على عباده صبّاً. وتتجلى عظمة هذا الشهر في كونه حُرِم فيه القتال، وجُعلت فيه المعصية أشد وزراً، والطاعة أعظم أجراً، مما يجعله فرصة ذهبية للمؤمن لمراجعة حساباته.
وتتعدد فضائل هذا الشهر الكريم، ويمكن تلخيص أبرز ملامحه الإيمانية فيما يلي:
- تعظيم شعائر الله: إن مجرد دخول الشهر الحرام يفرض على المسلم حالة من اليقظة الروحية، فيبتعد عن المظالم ويحرص على ضبط الجوارح، امتثالاً لقوله تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} (التوبة: 36).
- بوابة الاستعداد لرمضان: يُروى عن السلف الصالح أن "رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السقي، ورمضان شهر الحصاد". فمن لم يزرع في رجب بذور التوبة والذكر، شقّ عليه جني الثمار في رمضان.
- ذكرى الإسراء والمعراج: في رحاب هذا الشهر، يستذكر المسلمون معجزة الإسراء والمعراج، تلك الرحلة الروحية التي ربطت بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وفرضت فيها الصلاة، مما يجدد في النفس أهمية هذه الشعيرة ومكانة القدس في الوجدان.
والواجب علينا استثمار شهر رجب بالصدق في الإقبال على الله من خلال ما يلي:
- التوبة النصوح.. وذلك بالتخلص من رواسب الذنوب وبدء صفحة جديدة بيضاء.
- الإقبال من الصيام.. فعلى الرغم من عدم ورود نص يخصص رجب بالصيام، إلا أن صيام النوافل (الاثنين، والخميس، والأيام البيض) فيه لها طعم خاص كرياضة روحية.
- الذكر والدعاء.. إذ كان النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم- إذا دخل رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" (أخرجه أحمد والطبراني).
- صلة الأرحام والصدقة.. حيث يكثر بهذا الشهر المبارك تطييب الخواطر ومساعدة المحتاجين، مما يعزز روح التكافل في الأشهر الحرم.
وأخيراً.. إن شهر رجب هو نداء رباني لكل غافل ليفيق، ولكل طائع ليستزيد. هو فرصة لغرس بذور التقوى في أرض القلب، وسقيها بدموع الرجاء في شعبان، لتزهر في رمضان عتقاً من النار وفوزاً بالجنان. فلنحرص على ألا يمر علينا هذا الشهر كغيره من ال
شهور، ولنجعل منه انطلاقة حقيقية نحو التغيير للأفضل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلاماً على رسولنا الكريم أشرف الخلق أجمعين.
ــــــــــــ
*عضو مجلس إدارة شركة إثراء الضيافة القابضة






التعليقات 2
2 pings
مازن قفاص
20/12/2025 في 9:19 م[3] رابط التعليق
اللهم بلغنا هذه الشهور الفضيلة رجب شعبان و رمضان
مقال مليء بإضاءات و معلومات قيمة عن شهر رجب
محمد ابراهيم
20/12/2025 في 10:08 م[3] رابط التعليق
الله يفتح عليك يزيدك
كل عام وانتم الي الله اقرب