الإزميل آلة فولاذية تستخدم منذ القدم لنقر الحجر والخشب ، وهي متشابهة جداً لما يحفره الآخرون فينا من معتقدات إيجابية وسلبية منذ نعومة أظفارنا ، ونحن نتلقاها حتى باتت نقوش محفورة بالمداد في دواخلنا ، ونتعامل معها بقدسية بالغة ، نقاتل من يحاول إقناعنا للتخلي عنها بشراسة غريبة .
وتلك المعتقدات تؤثر في خارطة حياتنا ، وجعلناها بمثابة فنار نهتدي به في رحلة سيرورتنا كذلك ، لا ننفك عنها ، مهما أرتفع سقف ثقافتنا ودرجاتنا العلمية أحياناً .
واذكر ذات مرة مناقشة أحد قريباتي لأمر ما ، ومحاولة لإقناعها لتغير مبدأها حيال موضوع ما لمصلحتها وأسرتها ، وهي تصر لرأيها بحجة أنه نهج تربت عليها ، ومن الاستحالة بمكان أن تغييره أو تتخلى عنه ، ولو كلفها هذا حياتها !!
وحتى ولو كان النقر والحفر أيضاً إيجابيا ، فهو الآخر قابل للتطوير والتعديل والدمج والحذف والتأطير وفق معطيات ومتطلبات الحياة العصرية بما لا يتعارض مع الثوابت في الكتاب والسنة ، آخذين بعين الاعتبار ما ينسحب عليه التغيير من مصلحة أو نقيضها .
ولو مررت بشريط حياتك ستجد الكثير من الملهمين في حياتك ، مما كان لهم قصب السبق في غرس مبادئ جميلة فيك ، وألهموك بفنون ومعارف أشرقت معها حياتك ، واستضاءت حتى كان لك ما أردت يوما ما ، وحازت نفسك على ذاك الجمال الذي أصاب به خيالك يوما ما ، وهؤلاء هم أرباب إزميل ثر غزير .
وكم يشهد التاريخ لأرباب الأثر الصالح الذين شيدوا بعلومهم حضارات لازلنا حتى يومنا هذا نتدثر بتلك العلوم ونتسلح ولازلت كتبهم منارات هدى وحكمة تسقي العقول والألباب بعظيم ما احتوته وتضمنته .
ونحن أيضاً علينا أن نترك إرثاً للأجيال من بعدنا تحفر فيهم وتنقر معنى الحياة الطيبة السامية وتسهم في تطورهم وتجددهم بما يتناسب مع حياتهم ومتطلباتها كإزميل راشد ممتلئ نضج وحكمة يسقي أوردتهم بالقدرات العالية لاستيعاب المتغيرات .
لاتدع أيامك تذهب سدى ، دون أن يكون إزميلك قد صنع أثرا طيباً ، يسرك بعد حين ، وأنت أهله .