كثيرًا ما يلجأ المجرم إلى ارتكاب جريمة أو أكثر بعد سبق صدور حكم بات عليه بالعقوبة من أجل جريمة سابقة ، فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الجهات المختصة في هذا الشأن، وما تقيمه من ندوات وحملات وبرامج توعوية تستهدف مكافحة الجريمة ومعالجة مرتكبها إلا أن كافة المجتمعات البشرية على اختلاف نظمها وتشريعاتها قوةً وضعفًا تعاني من ظاهرة خطيرة أهلكت العاملين في مجال الجريمة أُطلق عليها بـ( ظاهرة العود).
إن مشكلة العود إلى الجريمة آفة مجتمعية ومشكلة مستعصية في علم الإجرام، لا تخص مجتمعًا بعينه ولا تنفرد في مجتمع لذاته بل هي عامة في المجتمعات جمعاء على اختلاف درجاتها في التقدم الحضاري أو حتى الإنساني، وذلك ما دعا المهتمين في مجال علم الجريمة إلى البحث عن وسائل وأساليب تقضي على هذه الظاهرة وتمنع انتشارها من خلال فهم أبعاد الفكر الإجرامي وثقافة الجريمة داخل السجن وخارجه.
ويتدرج العود بدوره من بسيط، ومتكرر، وإعتياد على الجريمة، ففي العود البسيط يكون قد سبق صدور حكم بات على الجاني في جريمة واحدة ورغم هذا يعود لارتكاب جريمة تالية، وفي نظيره المتكرر فيكون الجاني قد سبق له أن ارتكب أكثر من جريمة ثم عاد لارتكاب جريمة أخرى، وأما الاعتياد على الإجرام ففيه يكون الجاني عائدًا عودًا متكررًا ومنطويًا فيه على خطورة إجرامية.
وإن العود للسلوك الإجرامي له عدة عوامل وأسباب تنقسم ما بين أسباب داخلية تخص المجرم بحد ذاته فيما يتعلق بجنسه ومدى حاجته لارتكاب الجريمة أو قدراته العقلية وتكوينه النفسي، وأسباب خارجية كالتفكك الأسري أو ضيق العيش ماديًا الذي يدفع المرء إلى ارتكاب الجريمة خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية وغلاء المعيشة، كما أن عدم تقبل المجتمع للسجين بعد خروجه من أهم الأسباب المؤدية إلى انتشار هذه الظاهرة، ويظهر ذلك جليًا من خلال صعوبة قبول المفرج عنه وتهميشه من طرف جميع الأفراد وعدم التعامل معه في معظم المجالات، الأمر الذي أفضى إلى انطواء المجرم على نفسه وعزلته عن الجماعة وبالتالي العود إلى الجريمة.
وعلى ذلك فإن وُجدت الإصلاحات إلا أن الملام في هذه المسألة ليس المجرم فحسب، فمن واجب المجتمع أن يعمل جاهدًا في كل مرة من أجل وضع القواعد والتدابير الكفيلة بالحد من الجريمة والحد من تكرارها من خلال تسهيل إعادة تأهيل المجرم وترك نبذه ومعاونته على حل أزماته والقيام بكل ما من شأنه أن يكفل رعايته واحتضانه صحيًا واجتماعيًا.