إنّ السلوك الإنساني هو أحد المحاور الأساسية لدراسات وبحوث علم النفس، وقد أثبتت الدارسات والبحوث النفسية بأن التحفيز له دور أساسي في حياة الإنسان وقدراته على تحقيق النجاح والتألق في الحياة على الصعيد الشخصي والعملي على حد سواء ..
إن التحفيز له مفعول السحر في رفع المعنويات ودفع المشاعر واستنهاض الهمم، وذلك في عموم مناحي الحياة بصورة عامة وفي المؤسسات والمنشآت بصورة خاصة، التحفيز يحمل الموظفين على أداء الوظائف الموكلة إليهم بنجاح ويرفع قدراتهم الإنتاجية وكل ذلك يصب في الطاقة الإنتاجية للمنشأة أو المؤسسة أيا كان نوعها ومخرجاتها، التحفيز يصنع التغير ويطرق ناقوس التنافس بين الموظفين وينفض غبار الروتين المستبد داخل المنشآت، يظهر ذلك جلياً في التحولات الإيجابية الملموسة بين أفرادها؛ كما أن ذلك التغير يبرز بصورة واضحة في بيانات مقاييس الإنتاجية لدى المنشآت والمؤسسات، تتفاوت نسبته – التغير – حسب شخصية ومهارة مدراء المؤسسات في تذليل العقبات أمام موظفيهم، ومراجعة الإجراءات البيروقراطية المستبدة والمستنزفة لجهود الموظفين وتطويرها وتحويلها إلى عناصر فعالة تخدم العاملين وترتقي بهم إلى ساحة الإبداع والابتكار، وعلى هذا النهج يحافظ مدراء ورؤساء المؤسسات على إمكانيات وقدرات موظفيهم واستغلالها لصالح المؤسسة مما يحسن الطاقة الإنتاجية لدى المؤسسات..
إن من أولويات المدراء ورؤساء المنشآت والمؤسسات وواجباتهم هو رسم خطة عمل تنطوي على التحفيز والتشجيع بكل صورة وأشكاله لرفع مستوى أداء العاملين تحت مظلاتهم، وذلك من أجل تحسين ورفع الطاقة الإنتاجية لدى مؤسساتهم، والعكس صحيح فأن الطاقة الإنتاجية تتردى في غياب التحفيز والتشجيع، مما يؤكد بأن طبيعة النفس البشرية تتفاعل مع التحفيز وتتوق إلى التشجيع، ولهذا السبب تسعى المنشآت والمؤسسات في البلدان المتقدمة لمجابهة التنظيم والتطوير بتشجيع وتحفيز موظفيها..
في عام 1959 ميلادي قدم عالم السلوك البشري “فريدريك هرزبرغ” نظريته المسماة بنظرية “العاملين في التحفيز”، واعتمد في نظريته على مجموعتين أساسيتين في التحفيز داخل بيئة العمل وهما:
المجموعة الأولى تسمى مجموعة العوامل الأساسية: كوجود عدالة وظيفية وشعور الموظف بالاستقرار في وظيفته وتوفير الراتب وتقديم ضمانات صحية ووجود بيئة عمل صحية وآمنة واحترام العلاقات بين أفراد المؤسسة وسلامة بيئة العمل، وحسب نظرية “هرزبرغ” فأن توفر هذه العوامل يعد أمراً مهماً وأساسياً غير أنها لاتعتبر حوافز ولا تقود إلى الرضا على المدى البعيد، ولذا تأتي مهمة مجموعة الحوافز لتعمل بشكل موازي مع مجموعة العوامل الأساسية ..
المجموعة الثانية تسمى مجموعة الحوافز: كاعتراف المسؤول أو المدير بالإشادة وإنجاز موظفيه والثناء عليهم، وإيجاد حس لدى الموظفين بأهمية عملهم، والترقيات والحوافز المادية، والمسؤوليات والصلاحيات والثقة، وتعريف العاملين بأهمية ما يقومون به ومغزى عملهم ..
ويتضح لنا من نظرية “هرزبرغ” بأن سلوك الشخص، لا تدفعه للعمل والعطاء حاجة معينة بذاتها، بل هو مزيج من الحاجات توجه سلوك الشخص بدرجات تتفاوت من شخص إلى أخر حسب نسبة الإشباع لدى كل شخص، كما أن للحوافز أهمية كبرى، لذا فأن المجموعتين المستخدمتين يجب أن يتماشيا مع بعضهما والرضا وحده لا يكفي، ويبقى التحفيز هو ذلك العامل الإنساني الدافع والحافز المتمثل في السلوك والعلاقات بين الموظفين والرؤساء ..