شكلت ليبيا عبر تاريخها الطويل جزء من عدد من الامبراطوريات والتى دانت لها السيطرة على جنوب البحر الابيض المتوسط. لقد كان بدايتها فى القرن العشرين تحت سيطرة حكم الامبراطورية العثمانية ، ولكن تعرضت فيما بعد الى الغزو الايطالي فى عام 1911 تلتها مقاومة استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث اصبحت ليبيا فى واقع الامر مستعمرة ايطالية عبر تلك الحقبة. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية تنازلت ايطاليا وفقًا لاتفاقية سلام وقعت بين الحلفاء ، ومن ثم اصبحت الدولة تُدار من قبل فرنسا وبريطانيا مجتمعتين، وذلك من العام 1942 إلى ان نالت البلاد استقلالها فى العام 1951. فى العام 1949 أصبح اقليم برقة إمارة مستقلة بقيادة الامير الراحل ادريس السنوسى، بيد ان الامم المتحدة فى نفس ذلك العام قد قضت بأن تكون ليبيا دولة موحدة بكل أقاليمها الثلاثة، وهى إقليم برقة، وطرابلس وفزان. وفى عام 1950 اجتمع المجلس الوطنى الليبي فى طرابلس، ومن ثم تم تنصيب الامير ادريس السنوسى ملكاً للبلاد. وفى العام التالي أجيز الدستور وأعلن الملك ادريس استقلال ليبيا.
إكتشاف النفط:
تمكنت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية، بعد فترة وجيزة من قيام المملكة الوليدة، من الحصول على حق انشاء قواعد عسكرية فى البلاد "فى مقابل ايجار" ، وفى العام 1956 مُنحت أول امتياز للتنقيب عن النفط لشركات امريكية، وتحديداً شركتى "إسو"، "اوكسيدنتال" للنفط والاستكشاف.
وفى العام 1959 تم الابلاغ عن أولى المحاولات الناجحة فى التنقيب، وذلك عند اكتشاف "حقل زلطن النفطى" وهو من اكبر الحقول فى البلاد فى ذلك الوقت بواسطة شركة "إسو Esso" ليبيا.
وفى العام 1961 أصبحت ليبيا واحدة من البلدان المصدرة للنفط، وذلك عند اكتمال خط الانابيب الناقل للنفط والبالغ طوله 167 كيلو متراً، والذى يربط حقول النفط المهمة بالداخل، ومن ثم بالبحر الابيض المتوسط للتصدير للخارج. كانت هذه هى البداية المثيرة لإنتاج كبير تجاوز الثلاثة(3) ملايين برميل فى اليوم.
ومع إكتشاف احتياطيات النفط الضخمة العام 1959، تحولت ليبيا فجأة من دولة تعتمد على المساعدات الدولية وايجارات القواعد، الى مملكة غنية بالنفط ومشتقاته.
القبول فى منظمةالأوبك والنمو فى الستينيات:
التحقت ليبيا بمنظمة الدول المصدرة للبترول(OPEC) عام 1962، وذلك بعد عامين من انشاء المنظمة لم يكن انتاج ليبيا من النفط فى عام 1962 يتجاوز 67.1 مليون برميل، بيد أن هذا الرقم ارتفع بسرعة ليصل الى 445.4 مليون برميل فى عام 1965، وبحلول عام 1970 كانت ليبيا رابع اكبر دولة منتجة للنفط خارج نطاق المنظومة الشيوعية، ولا يتفوق عليها الا زميلاتها فى المنظمة وهى: السعودية،وإيران،وفنزويلا.
إن اهمية النفط لاقتصادنا القومى لا تخفى على احد هذه الايام..ولكن هذه الحقيقة لم تكن معروفة بالقدر اللازم عند بداية عهد النفط، فلقد رأى الكثيرون بأن النفط كلمة نعمة، بيننا رأى اخرون بأنه نقمة على حياة البلاد التقليدية. وهناك من حذر بأن النفط يمكن ان يكون كارثة على البلاد اذا لم يحسن استعماله. غير ان البحث والجدل فى هذا الموضوع الهام لم يطل كثيراً، كما أنه لم يتجاوز مرحلة العموميات، حيث توالت الاكتشافات النفطية بسرعة فائقة، مما ادى الى دخول البلاد فى مرحلة تصدير النفط الخام خلال عامين من تاريخ أول اكتشاف تجارى.
عمت البلاد بعد ذلك موجة من الاهتمام ليس بأثر النفط على الاقتصاد الوطني، بل بكيفية الحصول على اكبر قدر ممكن من الاموال والتى وفرها اكتشاف الذهب الاسود فى بلادنا. وفى غمرة هذا الاهتمام والتنافس فى تجميع الثروات الشخصية، تجمد الاهتمام الفكرى لدى الكثيرين بدراسة النفط من حيث تأثيره على الاقتصاد الوطنى، وتحديد أفضل السبل للاستفادة منه فى تنمية موارد البلاد التقليدية المستقبلية..
المؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة الليبية هى الجهة الوحيدة التى تدير صناعة النفط فى ليبيا، وهى المسئولة عن تطبيق اتفاقيات الاستكشاف ومقاسمة الانتاج مع شركات النفط العالمية.
والشركات النفطية العالمية والتى تعمل فى ليبيا فى مجال الاستكشاف والنقل وتكرير النفط حيث تشمل كل من : شركة إينى، وتوتال، وربسول، وستاتويل، واكسيدنتال، و Omv، وكونوكو فيلبس، وماراثون هيس، وشركة النفط البريطانية BP، واكسون موبل وغيرها من الشركات..
خلفية عن صناعة الطاقة:
*إحتياطي النفط الليبي:
ارتفعت التقديرات الرسمية لاحتياطيات النفط الخام فى ليبيا الى 46.4 مليار برميل بنهاية العام 2010 بعد ان كان 20.3 مليار برميل العام 1980. وهذا يدل على ان الاحتياطى الليبي يمثل 3.4 من اجمالي الاحتياطى العالمى . فلقد قفزت تقديرات الاحتياطى النفط الليبي عام 1995 من 22.8 مليار برميل الى 29.5 مليار برميل، حيث بقيت كذلك حتى عام 2000 وهو العام الذى بدأ فيه التكثيف للنشاط الاستكشافي ، الامر الذى جعل تقدير الاحتياطيات يتزايد تزايداً مضطرداً فى القرن الحادى والعشرين.
*احياطيات الغاز الليبي:
تقف التقديرات الرسمية المؤكدة لاحتياطيات الغاز الطبيعى الليبي عام 2010 عند عتبة 1.5 ترليون متر مكعب من الغاز وهذا يمثل 0.8% من مجمل الاحتياطيات العالمية. حيث كان الرقم السابق فى الثمانينات يقف عند 1.2 ترليون متر مكعب، ولكنه بدأ يرتفع خلال التسعينيات، ثم قفز الى 1.5 ترليون متر مكعب فى عام 2003 قبل ان ينخفض انخفاضاً طفيفا الى 1.3 و 1.4 فى عامى 2005-2006 .
موانيء تصدير النفط الليبي الرئيسية:
وتشمل ميناء السدرة، ومرسى البريقة، وراس لانوف، وطبرق، والزويتينة، والزاوية.
مصافى النفط البارزة فى ليبيا:
وتشمل كل من مصفاة راس لانوف(220 ألف برميل فى اليوم)، مصفاة الزاوية(120 ألف برميل فى اليوم)،مصفاة طبرق(20 ألف برميل فى اليوم)، مصفاة السرير (10 الاف برميل فى اليوم)،و مصفاة البريقة(8 الاف برميل فى اليوم الواحد).
والأن يجب ان نختتم هذا الاستعراض العام لأثر النفط على الاقتصاد الوطنى، بالرجوع الى الجدل والذى نشأ فى بداية عهد النفط حول ما اذا كان"النفط نعمة أو نقمة..؟". وهنا أعتقد ان النفط شأنه شأن أية ثروة اخرى يمكن ان يكون نعمة ونقمة فى آن واحد، ولكن العامل والذى يغلب جانب النعمة هو العقل البشرى واستعداده للعمل والمقدرة على التنظيم والتعاون وضبط النفس، وهذا يعنى ان المال رغم ماقاله الشاعر العربي من أنه:"يكسو الرجال مهابة وجمالاً، ويمنح اللسان لمن اراد فصاحة، والسلاح لمن اراد قتالاً". يبقى قليل الاهمية بالنسبة للمجتمع ككل، مالم يجد العقل البشرى القادر على استغلاله فى بناء المجتمع الذى لا يوفر الاحتياجات المادية لكافة افراده فحسب، بل ويمنحهم فرص المساهمة بافكارهم واجتهاداتهم المختلفة، وبما لديهم من قدرات على العمل الخلاق، وذلك فى إطار مؤسسات تحافظ على التوازن بين حرية الفرد ومصلحة المجتمع.
وفى هذا السياق لا أجد ابلغ من حكمة سيدنا علي بن ابي طالب رضى الله عنه حين قال: "لا غنى كالعقل، ولا فقرٌ كالجهل، ولا سند كالنصيحة..!".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كبير مستشاري قطاع النفط والتخطيط الأستراتيجي
التعليقات 1
1 pings
Loma
19/07/2023 في 9:53 م[3] رابط التعليق
مقال وافي وتواريخ مهمة نحتاج لهذا التوثيق القيم بالتوفيق دكتور