اعتدنا سماع قصة علي بابا والأربعين حرامي ، كحكاية فولكلورية روت في غرب وجنوب آسيا ، وهي وأحدة من مجموعة قصص جمعت في كتاب عرف باسم ( قصص ألف ليلة وليلة ) ، وعرف بالإنجليزية بــ ( الليالي العربية ) ، وقد صدرت نسخته الإنجليزية الأولى عام 1706.
وقصة علي بابا والاربعين حرامي والتي ضمها الكتاب ترجمها للفرنسية أنتوين غالاند في القرن الثامن عشر ، بعد أن سمعها من القاص السوري حنا دياب ، كما قالت المراجع .
ولجمال القصة وحبكتها فقد أُعيد سردها ، ومثلت تلفزيونيا للأطفال كما مثلت إذاعيا ، وتم انتاجها سينمائيا بفيلم مصري حمل عنوان ( علي بابا والأربعين حرامي ) أنتج عام 1942.
وتدور أحداث القصة " حول رجل عرف باسم (علي بابا) يعمل حطابا ، وأمين في تعاملاته وصادق في أقواله ، يكتشف أمر مغارة سرية تفتح بالكلمة السرية «افتح يا سمسم» وتحوي كنوزًا لا تعد ولا تحصي، ويحاول أن يحل أزمته المالية بما تحتويه المغارة ، يحاول اللصوص قتله ، لكن جاريته الوفية تحبط مكائدهم ، وتقديرا لها زوجها لابنه ، وظل علي بابا محتفظا بسر الكنز " .
وما جعلني أتناول قصة علي بابا والأربعين حرامي ، رواية سمعتها في احدى زياراتي لتركيا ، عن تعرض تاجر حبوب ( شعير ، وسميت ، ودخن ) لسرقة من خمسة لصوص منحهم ثقته وبضاعته ، لكنهم خانوا الأمانة .
تقول أحداث القصة أن تاجرا في احدى المدن التركية ، عزم على أداء فريضة الحج مصطحبا معه زوجته ، ولم يكن له أبناء ، والمسافة بين مدينته ومكة المكرمة خلال الفترة الماضية كانت تستغرق عدة أشهر ، فقرر نقل بضاعته من دكانه إلى مخزن به عدة غرف ، ووضع في كل غرفة نوع من الحبوب ، وبحث عن حراس لحراسة المخزن من اللصوص ، فوجد خمسة أشخاص مشردين لا مأوى لهم ، فقال : لو عملوا حراسا فسأكسب أجرهم من الله عز وجل في تأمين مأوى لهم ، وفرصة عمل يحصلون منها على مبلغ مالي ، فعرض عليهم العمل وسرعان ما أبدوا موافقتهم .
وقالوا له : نحن خمسة وسنجعل على كل ركن في باحة المخزن حارسا ، وسيعتلي رئيسنا البرج الواقع في الوسط ليراقب المخزن من الخارج ، وأعجب التجار بالخطة وثقتهم في تنفيذها ، فمنحهم مبلغا ماليا كدفعة أولى من الآجر ، وقال ستكون لكم مكافأة أخرى بعد عودتي .
وبعد أداء التاجر لفريضة الحج ، وعودته لمدينته ذهب للمخزن للاطمئنان على بضاعته ، ولم يكن يعلم أن اللصوص الخمسة قد استعانوا بأقاربهم وأصدقائهم وحفروا أنفاقا من تحت الأرض تسمح لهم بالوصول إلى الغرف وسرقة ما بها وطمر الأنفاق حتى لا تظهر أثراهم .
وحينما وصل التاجر وجد أبواب غرف المخزن مغلقة كما تركها ، فاطمأن على بضاعته ، لكن حينما فتحها وجد أن الأكياس أصبحت فارغه فجن جنونه ، فسأل الحراس وهم اللصوص فأجابوه لقد وجدت الأبواب مغلقة كما تركتها ، ونحن حرسناها كما وعدناك ، ولم تسمح لنا بدخول الغرف لتفقد بضاعتك ، ومن المؤكد أن دود الأرض قد أكلها ، ونحن أبرياء من هذا !
وحينما حاول التاجر الشكوى للقاضي ، أصيب القاضي بالحيرة فلا يملك أي دليل عليهم ، ولا يستطيع أن يثبت إدانتهم ، فالغرف كما قال التاجر كانت أبوابها مقفله كما تركها ، ولم يجد عليها أي آثار كسر ، وقولهم صحيح ، واحتمالية أكل دود الأرض للبضاعة واردة ، بل ومؤكدة ، وهنا نجا اللصوص الخمسة من عقاب قضاء الأرض .
وحينما علم والي بقصة التاجر ، قرر وعدد من وجهاء المدينة مساعدته ليبدأ من جديد ، أما اللصوص الخمسة فقد ابتلوا بجراح عميقة في أجسادهم سكنها الدود ، وكلما شفي جرح ، ظهر آخر وظلوا على حالهم هذه حتى وجدوا أنفسهم منبوذين من أسرهم وافراد المجتمع ، فلا أحد يود مصافحتهم أو حتى الاقتراب منهم ، وحينما ماتوا لم يتبع جنازتهم أحد خشية من تعرضهم للإصابة بالمرض .
وما جعلني أورد هذه القصة ، هو جمال مضمونها ، وغيابها عن ساحة الرواة ، فلم نقرأ عنها ، كما قرأنا عن علي بابا والأربعين حرامي ، وجحا ، وما ضمه كتاب ألف ليلة وليلية .
فهل لكون مدينة القصة صغيرة ، وبعيدة عن المدن الكبرى ، أم أن سكانها أرادو ستر قصة اللصوص الخمسة ، واعتبروا أن ما نالوه من مرض هو عقاب كاف لهم في الدنيا ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com