أول ما يلفت النظر في المجموعة صورة الغلاف للفنانة د. نائلة الثقفي، والتي جمعت البحر بزرقته وعمق مياهه وأسراره السرمدية، وشاطئه الجميل برماله الصفراء الناعمة التي تعانق أمواجه بلا كلل، لكن المشهد لا يكتمل إلا بصورة بضعة أشخاص يتواجدون على الشاطئ ومعهم ظلالهم التي تلازمهم أينما ذهبوا، كأنها قرائنهم التي ترتسم على الأرض ليلاً ونهارًا دون أن تفارقهم أبدًا.
في الإبحار في مجموعة د. سونيا مالكي القصصية التي تضم أربعين قصة قصيرة ومتوسطة وقصيرة جدًا، ينتابنا الشعور بأننا أمام أديبة تخط بقلمها المبدع أسطرًا توقظ في دواخلنا مشاعر إنسانية ذات وقع خاص، وتشعرنا بأننا ننتقل إلى عوالم تتأرجح بين الخيال والواقع، والمعقول واللامعقول، والموت والحياة، والحب واللاحب، والجمال والقبح، وذلك من خلال سيمفونية بيتهوفينية تتحدى القدر وتتمرد على أزمنة العشق والفراق.
تتلاقى عدة أبعاد تشكل في مجموعها أرضية هذه القصص، فهناك البعد النفسي، والبعد الإنساني، والبعد العاطفي، تجتمع كلها في فسيفساء بديعة من فلسفة حياة تنبض بالمشاعر الخصبة لفكر يحاول القفز إلى عالم الواقع الذي لا يخلو من المرارة فينجح أحيانًا ويفشل أحيانًا أخرى. لكن يظل الابداع القاسم المشترك في كل تلك القصص. وتستخدم القاصة أبجدية مستمدة من أصالة لغتنا العربية من خلال تعبيرات ومصطلحات رصينة "كرغاء الناقة"، و"انفض السامر"، " في لمح البصر اختفى كسراب بقيعة".
ويبدو لأول وهلة أن عنوان مجموعة د. مالكي استوحته من إحدى قصص المجموعة، وهي قصة "ظل"، التي تتحدث عن علاقة بين "وحيد" وظله، تطورت إلى صراع نال فيه وحيد من ظله، لكن ظله لم يفارقه بالرغم من ذلك!,.
ويبدو الواقع ماثلا في قصة "أصوات"، إلا أنه سرعان ما يمتزج بالخيال، عندما تحاصر شخوص الروايات التي سرقها حسام من الرجل العجوز، فيحاول إعادتها إلى صاحبها، فيجده قد فارق الحياة.
في قصة "ثوان" نرى أشرف ينتقل من الحياة إلى الموت، ثم العكس، مع نهاية مفتوحة تحيلنا إلى قصص رائد القصة القصيرة الروسي تشيكوف. وتشكل النهايات المفتوحة ختامًا للعديد من القصص الأخرى في المجموعة "كحوار"، و "رحيل"، و "صدمة"، و" ضرة"، والكثير من قصص المجموعة.
ويتمثل البعد النفسي في قصة "شوفة" ويظهر من خلال رفض الأم لعرسان ابنتها الصارخة الجمال، ليتضح بعد ذلك انه انعكاس لعقدة نفسية عانت منها أمها منذ زواجها بأبيها الذي هجرها لأنها لم تكن جميلة بشكل كاف!.
وتضم قصة "ضياع"- التي تخرج عن دوائر البيئة العربية، والقصة الأطول في المجموعة- بعدًا عاطفيًا وتراجيديا واضحًا، وتعبر بطريقة دراماتيكية عن قسوة الحياة.
ويظل تنوع الموضوعات سمة بارزة في المجموعة، فقصة "عمش" بطلها القط الأسود "باجيرو"، فيما يظهر الموت كقاسم مشترك في العديد من قصص المجموعة، وتقفز القاصة بخيالها إلى قصة تقرر فيها الفراشات التي لا لون لها شن الحرب على رجل هوايته قتل تلك الفراشات، في رمزية لحروبنا المعاصرة التي تنشب بين الأقوياء والضعفاء.
تعكس تلك القصص المفهوم الفلسفي الذي تمتلكه الدكتورة سونيا في نظرتها للإنسان والحياة، وقدرتها على دخول عوالم تتداخل فيه المفاهيم والأفكار والقيم، وذلك من خلال أسلوب سلس، لا يخلو من البساطة والإبداع.