حُكْمُ المنيّةِ نافذُ الأحكامِ
والدّار ما جُعِلَتْ بدار مُقَامِ
تذكرت هذا البيت للشاعر التونسي إبراهيم الرياحي ، وأنا أتلقى نبأ وفاة الأستاذ عبدالعزيز جميل عابد ، الذي جمعتني به ذكريات جميلة بدأت مع بدء إنشاء مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا ، إذ عين كعضو مجلس إدارة وكلف بمهام إدارة الشئون المالية توافقا مع مؤهلاته العلمية وخبراته العملية في بترومين .
ولأن المؤسسة أنشئت في 18 ذو القعدة 1402 هــ ، أي أثناء موسم الحج فقد سار العمل بها خلال الموسم بشكل اعتيادي ولم تكن هناك أي لوائح تنظيمية إدارية أو مالية ، ومع نهاية موسم الحج طلبت وزارة الحج والأوقاف ـ آنذاك ـ من المؤسسة وضع لائحتان الأولى إدارية والثانية مالية ، ولأن وضع مثل هذه اللوائح يحتاج على متخصصين من مكاتب استشارية ، ويكلف المؤسسة مبالغ مالية ، فقرر الأستاذ عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ العمل على إعداد اللائحتان شخصيا دون أن يكلف المؤسسة أي مبالغ مالية ، وتم الانتهاء من اللائحتان وارسلت للوزارة التي راجعتها ووافقت عليها دون أي ملاحظة ، وطالبت كل مؤسسة يتم إنشاؤها بالالتزام بها وتنفيذها .
ورغم أن الوزارة أصدرت اللائحتان الإدارية والمالية لمؤسسات أرباب الطوائف ( المطوفون ، الوكلاء ، الأدلاء ، الزمازمة ) عام 1415 هـــ ، إلا أن الأستاذ عبدالعزيز عابد ـ يرحمه الله ـ يعتبر هو المؤسس الحقيقي للتنظيم المالي والإداري لمؤسسات الطوافة ، ومن عمل بالمؤسسات في أوائل تأسيسها سواء بمجالس الإدارات أو غيرها يعرف هذا جيدا ، ولا ينسى أن للأستاذ عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ دور بارز في التنظيم الإداري والمالي بها .
أما داخل أروقة المؤسسة فكان ـ يرحمه الله ـ حريص على مباشرة مهامه بشكل دائم دون النظر للوقت الذي يقضيه ، وما إذا كان الدوام قد انتهى أو لا ، خاصة نهاية موسم الحج وبدء صرف مستحقات المقاولين ، ومكافآت الموظفين ، وعوائد المطوفين ، والتي كانت تصرف بشيكات تحتاج لمراجعته وتوقيعه ، فهدفه كان إنجاز الأعمال وعدم تعطيلها ، وكانت عبارته المشهورة " الناس عندها التزامات ، وحرام نعطلهم " .
واليوم وبعد أن غادر الأستاذ عبدالعزيز دار الفناء إلى دار البقاء ، أقول إن التعليم الحقيقي للإنسان لا يرتبط بمؤهل يحصل عليه ، أو خبرة عملية يكتسبها ، بل من خلال استفادته من خبرات ومواقف من سبقوه ، فمواقفهم وأعمالهم تمثل مدارس نتعلم منها .
رحم الله الأستاذ عبدالعزيز جميل عابد ، الذي ترك سيرة حسنة تفخر بها اسرته ، ودعوات صادقة يرفعها كل من تعامل معه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com