في المغربية وبعد إنتهاء الناس في المساجد من صلاة المغرب... تبدأ ألسنة اللهب والدخان تتصاعد من بين منازل أغلب القرى الساحلية تتحول منازل أغلب القرى والمناطق الساحلية وذلك اعلانا بأن مرحلة اعداد خبز الموافى قد بدات... صارت تلك العملية سمة من سمات البيت السواحلي... يفضل الصيادون هذا النوع من الطعام في الوجبات المسائية ((وجبة العشاء)) حيث يتميز خبز الموفى بصموده في بطن الصياد الذي لا يميل ولا يحبذ كثيرا تناول (( الروتي)) نظرا لمكوناته المعتمدة على مادة (( الخميرة)) وهذا لا يتناسب مع عمل البحر الشاق والمتعب والذي يحتاج لساعات طويلة في عمق البحر وبالذات في المساء... يتم وضع الموفى خارج البيت او في حوش المنزل إن كان المنزل واسعا .. تقوم الأمهات بهذا العمل وبمجرد وضع أقراص الخبز مرفقة بعدد من حبات السمك التي يرش عليها البهارات لتوضع في قاع الموفى تتصاعد الروائح التي تسري في الأزقة والحواري وتصبح رائحة السمك فواحة يشتمها كل عابر سبيل ... الصياد لا يمكن أن يستغني عن وجود السمك في مائدة طعامه... (( خبز الموفى... سمك المظبي... التمر... السليط الحالي)) هذا أربع مسميات يعتبرها الصياد وجبة مناسبة لمقاومة متاعب مهنته وتعينه على مواجهتها.... عرفت موافي الخبز في قرآنا الساحلية بموافي (( الكرم)) أو بموافي (( البركة)) ولم تأتي التسمية من فراغ بل هي كذلك... فأغلب هذه الموافي تقع خارج المنازل ولأن من يقوم بالعمل عليها هن الأمهات كبيرات السن اللآتي لازلن يحتفظن بنكهة الماضي الجميل.. الكرم والعطاء وجبر الخاطر ورحمة الجار وعابر السبيل... كان بمجرد أن تكون مارا مثلا في وقت إخراج الخبز من الموفى ورأتك الأم التي تقوم بذلك فمن المستحيل أن تمر دون أن تناديك تلك الأم الكريمة المعطاءة لتمد لك في قرطاس ملفوف قرص خبز يعتليه أقل شئ سمكة (( مظبية)) ترافقها إبتسامة أم تخجلك بكرمها وسعادتها وهي تمد لك ذلك... لا تكاد تكون هناك (( حافة)) في تلك القرى إلا وفي منازلها مجموعة من تلك الموافي... ومن اعتاد على أكل غير ذلك في وجبة عشائه واشتاق لخبز الموفى ليس عليه إلا أن يمر أمام أم من تلك الأمهات الكريمات الاصيلات ليعود لمنزله وفي يده ما يشبع جوعه... أو أن يرسل أحد أبنائه لمنزل جاره إما أن يحضر له (( قرص خبز حام)) أو أن تقوم زوجته بإشعار جارتها بأن تزيد لها عدد معين من الخبز نظرا لاشتياق أهل بيتها لتلك الأكلة... ولأن للمجورة حق... لااااا يمكن للجارة أن تقول لجارتها لا وهي صورة من صور التجاور والتراحم والتآخي التي عرفت فيه مناطقنا الساحلية... ورغم أن الطلب كان للخبز فقط إلا أن من تقوم بذلك لا تكتفي بإرسال ما تم طلبه منها بل تزيد على ذلك بإرسال السمك المظبي مع قليل من التمر والسليط الحالي وإن لم تجد السليط الحالي أرسلت ما يعرف ب(( الحلبة)) التي تكون معدة جيدا ومضافا إليها الخل الحسوي الشهير... ولك أن تتخيل عندما يطرق إبن الجيران بابك حاملا بين يديه وجبة عشاء متكاملة تكفيك وتكفي أهلك بيتك... يتغلغل السرور في النفوس... وتقوى روابط الجيرة بين أفراد المجتمع... وتتعزز مفاهيم الكرم والبركة في الأذهان...(( موافي الخبز)) في قرآنا الساحلية لم تكن مجرد موافي لإطعام البطون وحسب ولكنها كانت صفة تميزت بها تلك القرى عما سواها من مناطق الحضر... تدل على التآلف والتجانس وكأن الجميع أهل بيت وآحد يعيشون تحت سقف وآحد ... اللقمة وآحدة وكأس الشاي يتقاسمه الإثنان... وروح الفكاهة تصدح بها الأفواه... وما يوجع الفرد يوجع الجميع... وما يسر الفرد يسر البقية.. كانت موافي الكرم ولازالت تمثل صفحة مضيئة في تاريخ قرآنا الساحلية..
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://shahdnow.sa/articles/244444/