"قفة المقاضى" نَقْصِدُ ما كنا نستخدمها لحمل ما يتم شرائه من لوازم الاطعمه للمنزل لطبخها فى اليوم الواحد وكل يوم بيومه ، الا فى بعض الحالات يتقضى لما يكفي اسبوع أو اكثر لبعض المواد الغذائية، والبعض يتَقْضِىْ مَقَاضِىْ الشهر مثل الارزاق (كيس رز نوعية بكه، او ابو سيوف، او ما هو متوفر لدى التجار)، اضافة الى (كيس من الخيش) وبه سكر، و (صندوق) شاهي ابوجبل او الربيع، و (تنكة) سمن نوعية الشوكه والملعقه ، او المتوفر من الانواع الاخرى، وبعض الاحيان يضاف (كيس) دقيق ابيض
"قفة المقاضى" كانت على نوعين معروفين الاول مصنعه من سعف النخل وبطريقه دائريه جميله ولها معلقون ليتم حملها، وميزتها محافظتها على المواد الغذائية طازجه حتى وصولها للمنزل لانها مكشوفه فقط توضع المواد كما هي ومرتبه وتحمل
والنوعيه الثانيه مصنعه من الجلد او بعض الصناعات البلاستيكية المصنعه من الخارج وذات الوان متعدده ولها ممسك لحملها بعد وضع المقاضي داخلها، كما يوجد بعض العمال الذين كنا نسميهم للفرد الواحد منهم (حامل) ومهمتهم حمل المقاضي والمشتريات ان كانت الكميات كثيرة وثقيلة الوزن، ويتميز العمال المذكورون بالأمانة والقناعه والنشاط والصدق وكل واحد منهم لديه (قفة) كبيرة الحجم تستوعب كميه وافره من المقاضي والبضائع المراد شراؤها لحملها الى المنازل
أما بخصوص (القناعه والامانه) من قبل العاملين فى الاسواق خاصة سوق الخضره واللحوم والذي كنا نسميه (الخان) وهو في موقع جنوب غرب المسجد النبوي الشريف بعدة كليومترات وليس ببعيد
أذكر موقفا حصل مع احد الاباء مع عامل تحميل المقاضي من الخان الى المنزل الذي لايبعد كثيرا حيث طلب من العامل بحمل المقاضي الى منزلة وقد كان آخر عامل موجود بعد العشاء في السوق فأعتذر العامل بلطف قائلا: لا استطيع حملها.
استفسر صاحب المقاضي لماذا!!؟
فاجابه وهو محرج (لو سمحت لاتخرب مابينى وبين ربي) ، مما اثار فضول صاحب المقاضي واصر عليه بحملها بهدف معرفته ما بين (العامل) والله- جل فى علاه- اخيرا وافق العامل بعد الحاح من صاحب المقاضي وحملها الى منزلة وبعد الوصول رفض يأخذ اجرة حمله للبضاعه وهنا أستمر وفى الحاح لمعرفة ماهو السر، مما دعاة للبوح عن (السر) وهو انه اذا حصل فى يومه على المبلغ الفلاني سيتوقف عن حمل مقاضي اخري قناعة من نفسه ويحمد الله على الرزق الذي حصل عليها فى يومه
واضاف انت طلبت منى حمل مقاضيك وانا فى طريقى للذهاب الى منزلى لانى حصلت على رزقي اليومى والحمدالله، وانت اجبرتني على مخالفة الاتفاق -سامحك الله- وانا حملتها حياء منك ولإصرارك ولا يوجد عامل آخر غيري ممكن يساعدك، هذا نموذج لقناعة الناس فى تلك الحقبه الزمنيه السعيده من ايام الطيبين.
ومن واقع بعض الصور التى عشناها معهم بخصوص المقاضي للمنزل يذهب المرسول وغالبا احد أكبر ابناء الأسرة ومعه (القفه او الزنبيل) ومعه مبلغ من المال مع قطعه من الورق مدون فيها جميع طلبات مقاضي المنزل للأسرة او العائله، وكانت فى تلك الفتره الزمنيه المقايس والاوزان تقدر الوزن بمقياس (الأوقه) وزنها اكثر من الكيلوا و (الوقيه) اقل من الاوقه، أما مقاس الاقمشه اضافة الى (المتر) توجد مسميات واطوال مختلفه تسمى (الهنداسه والأرشون) لمقاس اقمشة النساء بانواعها وقد يتم طلبه من احد نساء الحي التى لا يوجد من يتقضى لها سوى احد ابناء الحي وبذلك يتحمل مسؤولية تلبية جميع طلباتها من السوق وبصدر رحب والهدف كسب الأجر من الله
ومن اللافت فى هذا السياق عندما يذهب عائل البيت او كبير الأسرة لشراء مقاضي للعائله بكميات وافرة خاصة الفواكه الموسمية من بطيخ (حبحب) وشمام وخربز وعنب ورمان وانواع الرطب الصيفي وبعض المواد الغذائية من لحوم وخلافها من الاغذية المتنوعه بعد وصولها الى المنزل يطلب من اهله بقوله (لاتنسوا بيت فلان) المحتاج وبيت ام الايتام. ترسلون لهم بعض الارزاق من خضار وفواكه وعيش (يقصد الخبز) وما يحتاجونه، وهذه الامور منتشرة بين جميع الاهالي والجيران فى تكافل اجتماعي رائع، ولايمكن ينام جار وأبنائه جياع او محتاجين، الى حد اننا نلهوا ونلعب مع اندادنا من الاطفال والشباب فى اعمارنا ولانعرف من فيهم المحتاج، كذلك عمدة الحي له دور كبير وفعال فى مثل هذه المواقف حيث يكون على علم وإطلاع على جميع احداث وإحتياجات سكان الحي الذي يشرف عليه خاصة الارامل والايتام، بمتابعة احوالهم واحتياجاتهم طوال العام وخاصة فى مواسم العيدين (الفطر المبارك والاضحى المبارك) حتى لايشعرون بالنقص بعد فقد والدهم، وهم صغار ولا يوجد ما يساهم فى تغطية احتاجهم اليومي والشهري والسنوي لعدم وجود اخ لديه وظيفه تغطي بعض لوازم الأسرة،
فى تلك الايام السعيده التكافل الاجتماعي كان ميزه يتحلى بها الجميع دون تفريق فى اصل او لون اوعرق، الجميع سواسيه اخوه تجمعهم كلمة (لااله الله محمد رسول الله) ويتبعون ماوصى به رسول الله بالجار باحترامه وعدم اذيته الى سابع جار وبالعطف على اليتيم واكرام الضيف، ومما زاد العطف والحنان والمحبه بين الجميع مجاورتهم لخير خلق الله عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آلة واصحابه اجمعين
وانه لشرف كبير اكرمنا الله به ونساله تعالى ان يرحم الموتى ويشفي المرضى ويطيل فى عمر من تبقى من جيل الطيبين والجميع بخير وسلامه وحفظ من المولى العلى القدير، والحمد لله رب العالمين