أمرنا بالتوبة والاستغفار من ذنوبنا، في آيات كثيرة من كتابه الكريم، وسمى ووصف نفسه بالغفار وغافر الذنب وذي المغفرة، وأثنى على المستغفرين ووعدهم بجزيل الثواب، مما يدلنا على أهمية الاستغفار، وفضيلته، وحاجتنا إليه.
الاستغفار :-
هو الطلب من الله سبحانه أن يستر الذنوب، وأن لا يعاقب عليها .
ويستحب الإكثار من الاستغفار وهو من أعظم الطاعات التى يغفل عنها الصائمون في شهر رمضان ، قال تعالى ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ سورة المائدة: 74]
اولاً :- أهمية الاستغفار ومنزلته.
لعظم شأن الاستغفار رفع الله مكانته فهو كثيرًا ما يأتي في النصوص مقرونًا بكلمة التوحيد ( لا إله إلا الله) التي هي أساس الملة قال تعالى: ( فَٱعْلَمْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَىٰكُمْ )
أمر الله عباده بالاستغفار فقال تعالى : { وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل:20] ، وقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود:3]،
وهو من عمل المتقين وقد مدحهم الله فقال الله تعالى :( كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )سورة الذاريات
أنه سبحانه يغفر لمن استغفره فقال: { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] ،]،
وكان الأنبياء يستغفرون ربهم، ويتوبون إليه، وأمر خاتم رسله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بالاستغفار بقوله: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) ،
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم كثرة الاستغفار .
عن الأغر المزني رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة [رواه مسلم: 7033]
وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( *طمَنْ أَحَبَّ أَنْ تُسِرَّهُ صَحِيفَتُهُ فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الاسْتِغْفَارِ ))
شكى رجل إلى مجاهد رحمه الله كثرة الذنوب فقال له مجاهد وأين أنت من الممحاة يعني الإستغفار - الزهد للإمام أحمد 455
قال شيخ الإسلام ابن تيمية...(رحمه الله تعالى): الإنسان محتاج فقير،وهو مع ذلك مذنبٌ خطَّاء،فلا بد له من ربه الذي يسدُّ مفاقره، ولا يزول فقرُه وفاقتُه إلا بالتوحيد وإذا حَصَل مع التوحيد الاستغفار حَصَل غناه وسعادته، وزال عنه ما يُعذَّب به، ولا حول ولا قوة إلا بالله. [جامع المسائل | ٥٤/٣]
ثانياً : اوقات الاستغفار في رمضان .
الأستغفار من أسهل العبادات يفعل في الليل والنهار، في السفر والحضر وفي جميع الأوقات والأحوال ويتأكد في :-
● الأسحار :
● السحر : هو السدس الأخير من الليل.
وقد أثنى الله عز وجل على عباده الذين يستغفرونه في هذا الوقت المبارك بقوله عز وجل:" الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَار " (سورة آل عمران، الآية: 17
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " ( رواه البخاري ومسلم )
وقد قيل: أن يعقوب عليه السلام، لما قال لبنيه { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} إنه أخرهم إلى وقت السحر
تفسير ابن كثير : جـ1صـ434 .
قال نافع كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقضي ليله في الصلاة فإذا صار وقت السحر جلس يستغفر، حتى يؤذن للفجر
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: " أمرنا أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة"
● في ختام العبادات
أمر عباده أن يختموا تلك العبادات بالاستغفار ، لجبر ما يحصل من النقص، ولصون النفس عن العجب و الرياء مثل الصلاة وقيام الليل وقراءة القرآن ليكون كفارة لما يقع فيها من خلل أو تقصير.
● عند فطر الصائم .
الإستغفار دعاء بالمغفرة ودعاء الصائم مستجاب في حال صيامه وعند فطره.
قال الحسن : أكثروا من الإستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة.
وقال لقمان لابنه: يا بني عود لسانك الإستغفار فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلا.
● في أذكار الصباح والمساء .
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار).
● في كل وقت من يومه في ليل او نهار فالمؤمن مأمور بالاستغفار في جميع الأوقات، وقد كان النبي ﷺ يكثر من الاستغفار،
عن ابن عمر رضى الله عنهما ، أنّه قال:(إن كنَّا لنعدُّ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في المَجلِسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ: ربِّ اغفر لي، وتُب عليَّ، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيم)، "أخرجه أبو داود
● في ختام شهر رمضان .
قال ابن رجب رحمه الله: “ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “الغيبة تخرق الصيام، والاستغفار يرقِّعه ، فمن استطاع منكم أن يجيء بصوم مرقَّع فليفعل“
وكتب عُمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار، وصدقة الفطر .
● صيغ الاستغفار الثابتة منها :-
❶- سيد الاستغفار ،
عن شداد ابن أوس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار أن تقول - «اللَّهمَّ أنتَ ربِّي، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، خَلقتَني وأَنا عبدُكَ، وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطعتُ، أعوذُ بِكَ من شرِّ ماصنعتُ،وأبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ، وأعترفُ بِذنوبي، فاغفِر لي ذنوبي إنَّهُ لا يَغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ»
رواه البخاري
❷- ما جاءَ في الحديث الذي أخْرَجه أبو داود في صحيحه، وصحَّحه الألباني: عن زَيد مَولَى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه سَمِعَ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَقول: (( مَن قالَ: أَستغفِر اللهَ الذي لا إلَهَ إلا هوَ الحَي القَيوم وَأَتوب إلَيه؛ غفر له وإنْ كانَ فَرَّ مِن الزحف)).
❸ -من أكثر الصيغ التي يستعملها صلى الله عليه وسلم ،قوله ( استغفر الله ) وقد كان صلى الله عليه وسلم يقولها في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة،
قالَ الوَليد: فقلتُ للأَوزَاعي: كَيفَ الاستغفَار؟ قَالَ: تَقول: أَستَغفر اللهَ، أَستَغفر اللهَ.
❹- ومن الصيغ الواردة حديث على بن ابي طالب رضي الله عنه في ما كان يقول صلى الله عليه وسلم بين التشهد والتسليم ( اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني،أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت). رواه مسلم
❺- عَن خَبَّاب بن الأرتِّ - رضي الله عنه - قالَ: سَأَلتُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قلت: يَا رَسولَ الله، كَيفَ أَستَغفر؟ قَالَ: (( قل: اللهمَّ اغفرْ لَنا وارحَمْنا، وَتُب عَلَينا، إنَّكَ أنتَ التوَّاب )
تنبيه مهم :-
والاستغفار لا بد أن يصحبه إقلاع عن الذنوب والمعاصي. وأما الذي يقول: أستغفر الله بلسانه، وهو مقيم على المعاصي بأفعاله فهو كذاب لا ينفعه الاستغفار. قال الفضيل بن عياض – رحمه الله -: استغفار بلا إقلاع توبة الكذابين، وقال آخر: استغفارنا ذنب يحتاج إلى استغفار !
جعلنا الله من المستغفرين التائبين..
وصلى الله وسلم على نبينا ...